كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 3)

وإعانة؛ فـ "مع" في لغة العرب، للصحبة اللائقة، لا تشعر بامتزاج، ولا اختلاط، ولا مجاورة، ولا مجانبة، فمن ظن شيئا من هذا، فمن سوء فهمه أتى.
وأما القرب فلم يقع في القرآن إلا خاصا، وهو: نوعان; قربه من داعيه بالإجابة، وقربه من عابده بالإثابة.
فالأول: كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة آية: 186] ولهذا نزلت جوابا للصحابة رضي الله عنهم، وقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ربنا قريب فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية".
والثاني: كقوله صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" 1 "وأقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل"، فهذا قربه من أهل طاعته.
وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فارتفعت أصواتنا بالتكبير، فقال: يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته "2 فهذا قرب خاص بالداعي، دعاء العبادة، والثناء، والحمد; وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه، واستواءه على عرشه، بل يجامعه ويلازمه، فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض، تعالى الله علوا كبيرا، ولكنه نوع آخر، والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدا من محبوب بينه وبينه مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي، ويجده
__________
1 مسلم: الصلاة (482) , والنسائي: التطبيق (1137) , وأبو داود: الصلاة (875) , وأحمد (2/421) .
2 البخاري: القدر (6610) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2704) , وأبو داود: الصلاة (1526) , وأحمد (4/402) .

الصفحة 308