كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 3)

من قِبَله، وهذا فرع على تباركه في نفسه، وتدبر قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان الذي رواه مسلم في صحيحه، عند انصرافه من الصلاة: " اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" 1 فتأمل هذه الألفاظ الكريمة، كيف جمعت نوعي الثناء، أعني: ثناء التنْزيه والتسبيح، وثناء الحمد، والتمجيد، بأبلغ لفظ وأوجزه، وأتمه معنى; فأخبر أنه السلام، ومنه السلام، فالسلام له وصفا وملكا، وقد تقدم بيان هذا في وصفه تعالى بالسلام، وأن صفات كماله، ونعوت جلاله، وأفعاله، وأسمائه، كلها سلام؛ وكذلك الحمد، كله له وصفا، وملكا؛ فهو المحمود في ذاته، وهو الذي يجعل من يشاء من عباده محمودا؛ وكذلك العزة، كلها له وصفا، وملكا؛ وهو العزيز الذي لا شيء أعز منه، ومن عز من عباده، فبإعزازه له; وكذلك الرحمة، كلها له وصفا وملكا؛ وكذلك البركة، فهو المتبارك في ذاته، والذي يبارك فيمن يشاء من خلقه، وعليه، فيصير بذلك مباركا {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف آية: 54] ، {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة الزخرف آية: 85] .
وهذا بساط، وإنما غاية معارف العلماء الدنو من أول حواشيه، وأطرافه; وأما ما وراء ذلك، فكما قال أعلم الخلق، وأقربهم إلى الله، وأعظمهم عنده جاها: " لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك "2. وقال في حديث
__________
1 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (591) , والترمذي: الصلاة (300) , وأبو داود: الصلاة (1512) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (928) , وأحمد (5/279) , والدارمي: الصلاة (1348) .
2 مسلم: الصلاة (486) , والترمذي: الدعوات (3493) , والنسائي: التطبيق (1100 ,1130) , وأبو داود: الصلاة (879) , وابن ماجه: الدعاء (3841) , وأحمد (6/58) , ومالك: النداء للصلاة (497) .

الصفحة 345