كتاب مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (اسم الجزء: 3)

وأطعنا، وعلينا من الخدمة ما استطعنا؛ هذا مع كونهم أنضاء زحوف، وأشلاء حتوف، وضرائب سيوف؛ قد وسمت وجوههم علامات الكفاح، وأحالت غرضهم أقلام الرّماح؛ صابرين مصابرين، مكائرين مكابرين، مناضلين مناظرين؛ قد قاموا عن المسلمين بما قعد عنه سائرهم؛ ونزلوا بقارعة القراع فلا يسير عنها سائرهم؛ وسدّست كعوب الرّماح أنملهم، وأثبتوا في معترك الموت أرجلهم؛ كلّ ذلك طاعة لله ولرسوله ولخليفتهما، وإذا رموا فأصابوا، قالوا: ولكنّ الله رمى.
ومن خبر الكفّار أنهم إلى الآن، على عكاّ يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه، ويخرج للمسلمين منهم أمرّ من أجاجه؛ قد تعاضدت ملوك الكفر على أن ينهضوا إليهم من كلّ فرقة منهم طائفة، ويقلّدوا لهم من كل قرن يعجز بالكرّة واصفه؛ فإذا قتل المسلمون واحدا في البرّ، بعث البحر عوضه ألفا، وإذا ذهب بالقتل صنف منهم، أخلف بدله صنفا؛ فالزّرع أكثر من الجداد، والثمرة أنمى من الحصاد. وهذا العدوّ المقاتل - قاتله الله - قد زرّ عليه من الخنادق أدراعا متينة، واستجنّ من الجنويات بحصون حصينة؛ مصحرا ومتمنّعا، وجاسرا ومتدرّعا، ومواصلا ومنقطعا، وكلّما أخرج رأسا قد قطعت منه رءوس، وكلّما كشف وجها كشفت من غطاء أجسادها نفوس؛ فكم من يوم أرسلوا أعنّة السوابق فذمّوا عقبى إرسالها، وكم من ساعاة فضّوا فيها أقفال الخنادق، فأفضى إليهم البلاء عند فضّ أقفالها؛ إلا أنّ عددهم الجمّ قد كاثر القتل، ورقابهم الغلب قد قطعت النّصل لشدّة ما قطعها النصل، ومن قبل الخادم من الأولياء قد أثرت المدة الطويلة والكلف الثقيلة في استطاعتهم، لا في طاعتهم، وفى أجوالهم لا في شجاعتهم؛ فالبرك قد أنضوه،

الصفحة 358