كتاب مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (اسم الجزء: 3)

عرائسها، ولم نرض في بل أرحامهم بمواصلة سلامها دون مواصلة برها وإدناء مجالسها؛ ولإخوتنا من ذلك أوفر الأقسام، كما أن لهم منازحما هو أقرب الأرحام؛ وقد أمرنا بتجديد العارفة لأخينا الملك العادل، الأجلّ السيد، الكبير؛ سيف الدين، ناصر الإسلام «أبى بكر» أبقاه الله. ولو لم نفعل ذلك قضاء لحق إخائه الذى ترف عليه حوانى الأضالع، لفعلناه جزاء لذائع خدمه التي هى نعم الذرائع؛ فهو من لزوم آداب الخدمة بعيد وقف منها على قدم الاجتهاد، وفى لحمة شوابك النسب قريب وصل حرمة نسبه بحرمة الوداد؛ وعنده من الغناء ما يحكم لآماله ببسطة الخيار، ويرفع مكانته عن مكانة الأشباه والأنظار، ويجعله شريكا في الملك والشريك مساو في النقض والإمرار؛ فكم من موقف وقفه في خدمتنا فجعل وعره سهلا، وفاز فيه بإرضائنا وبفضيلة التقدم فانقلب بالمجندين إرضاء وفضلا، ويكفى من ذلك ما أبلاه من لقاء العدو الكافر الذى استشرى في هياجه، وتمادى في لجاجه، ونزل على ساحل البحر فأطل عليه بمثل أمواجه، وقال:
لا براح، دون استفتاح، الأمر الذى عسرت معالجة رتاجه؛ وتلك وقائع استضأنا فيها برأيه الذى ينوب مناب الكمين في مضمره، وسيفه الذى ينسب من الاسم إلى أبيضه ومن اللون إلى أخضره، ولقد استغنينا عنهما بنضرة لقبه الذى تولت يد الله طبع فضله، وعنيت يد السيادة برونق صقله، فهو يفرى قلوب الأعداء قبل الأجساد، ويسرى إليهم من غير حامل لمناط النجاد، ويستقصى في استلابهم حتى ينتزع من عيونهم لذة الرقاد، وليس للحديد جوهر معدنه المستخرج من زكاء الحسيب، وإذا استنجد قيل له: ياذا المعالى! كما يقال لسميّه: ياذا الشطب، ولو أخذنا في شرح مناقبه، لظل القلم واقفا على أعواد منبره، وامتد شأو القول فيه فلم ينته مورده إلى مصدره، فمهما خولناه من العطايا فإنه يسير في جنب غنائه، ومهما أثنينا عليه فإنه سطر في كتاب ثنائه.

الصفحة 385