كتاب المدونة (اسم الجزء: 3)

عَلَى أَنْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ دَنَانِيرَ أَعْطَاهُ وَإِنْ أَحَبَّ إنْ يُعْطِيَ طَعَامًا أَعْطَاهُ، فَصَارَ بَيْنَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ النَّقْدُ وَكَانَ النَّقْدُ فِيهِ فَاسِدًا فَلَمَّا نَقَدَهُ الْكَفِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بِالْخِيَارِ فَكَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الذَّهَبَ سَلَفًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ شَاءَ رَدَّ ذَهَبًا وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى طَعَامًا فَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْل أَنْ يَسْتَوْفِيَ لَا شَكَّ فِيهِ.
قُلْت: فَلِمَ أَجَزْت أَنْ تُقِيلَهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْإِقَالَةَ هَاهُنَا إنَّمَا تَقَعُ لِلْبَائِعِ فَيَصِيرُ الْكَفِيلُ هَاهُنَا كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الدَّنَانِيرَ سَلَفًا وَهَذَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُعْطِيَنِي ذَهَبِي عَلَى أَنْ أُقِيلَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بِرِضَاهُ فَإِذَا رَضِيَ فَإِنَّمَا اسْتَقْرَضَ الذَّهَبَ قَرْضًا وَأَوْفَانِي، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ هَاهُنَا بِالذَّهَبِ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْكَفِيلُ وَالْأَجْنَبِيُّ هَاهُنَا سَوَاءٌ. قُلْت: لَمْ أَجَزْت لِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْكَفِيلِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِي الَّذِي أَسْلَفْت فِيهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِي أَنْ آخُذَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الْكَفِيلِ.
قَالَ: لِأَنَّ الْكَفِيلَ هَاهُنَا إنَّمَا قَضَى عَلَى نَفْسِهِ حِنْطَةً عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَلِذَلِكَ جَازَ، حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُعْطِيَنِي عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِثْلَ حِنْطَتِي الَّذِي عَلَيْهِ وَأُحِيلُهُ عَلَيْهِ إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ إلَّا أَنْ يَسْتَقْرِضَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ هَذَا الطَّعَامَ مِنْ هَذَا الْأَجْنَبِيِّ لِيُوَفِّيَنِي أَوْ يَأْمُرَ أَجْنَبِيًّا مِنْ النَّاسِ فَيُوَفِّيَنِي عَنْهُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَ أَنَا الْأَجْنَبِيَّ أَنْ يُوَفِّيَنِي ذَلِكَ، وَأُحِيلُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ أَنْ يُوَفِّيَنِي عَلَى أَنْ أُحِيلَهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ وَلَا أَنْ أَتَسَلَّفَ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي لِي عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ وَأُحِيلَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَهُوَ لَا يَجُوزُ.
قُلْت: وَلَا يَجُوزُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْمَكِيلِ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ الَّتِي أَسْلَمْت فِيهَا سَمْرَاءَ مَحْمُولَةً وَلَا شَعِيرًا وَلَا سُلْتًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: لَا يَجُوزُ حَلُّ الْأَجَلِ أَوْ لَمْ يَحِلَّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَلِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ.
قُلْت: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ أَيَصْلُحُ لِي أَنْ آخُذَ مَنْ الْكَيْلِ سَمْرَاءَ وَالسَّلَمُ مَحْمُولَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا؟ .
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِأَنَّهُ يَقْضِي وَيَتَّبِعَ بِغَيْرِ مَا أَعْطَانِي.

الصفحة 108