كتاب المدونة (اسم الجزء: 3)

قُلْت: فَلَوْ أَقْرَضْت رَجُلًا مِائَةَ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَسْلَمَ إلَيَّ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ وَأَجَلُهُمَا وَاحِدٌ فَقُلْت لَهُ: قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أُقَاصُّك بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ الطَّعَامِ الْقَرْضِ بِاَلَّذِي لَك عَلَيَّ مِنْ الطَّعَامِ السَّلَمِ.
قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا، وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَاعَك طَعَامًا لَهُ عَلَيْك مِنْ سَلَمٍ إلَى أَجَلٍ بِطَعَامٍ لَك عَلَيْهِ قَرْضًا إلَى أَجَلٍ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ.
قُلْت: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ فَقُلْت لَهُ: خُذْ الطَّعَامَ الَّذِي لِي عَلَيْك مِنْ الْقَرْضِ بِالطَّعَامِ الَّذِي لَك عَلَيَّ مِنْ السَّلَمِ؟ .
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ أَجَازَهُ مَالِكٌ حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ وَكَرِهَهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ إنَّمَا لَهُ عَلَيْك أَنْ تُوفِيَهُ سَلَمَهُ الَّذِي لَهُ عَلَيْك وَكَانَ لَك عَلَيْهِ قَرْضًا قَدْ حَلَّ مِثْلَ السَّلَمِ الَّذِي لَهُ عَلَيْك فَقُلْت لَهُ خُذْ ذَلِكَ الطَّعَامَ بِسَلَمِك فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَك أَنْ تَبِيعَ قَرْضَك قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ فَكَذَلِكَ لَا يُكْرَهُ لَك أَنْ تُوفِيَهُ مِنْ طَعَامٍ عَلَيْك مِنْ سَلَمٍ وَلَيْسَ هَاهُنَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ هَاهُنَا قَضَاءُ سَلَمٍ كَانَ عَلَيْك فَقَضَيْته.
قُلْت: فَلِمَ كَرِهْته لِي قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَنْ أُقَاصَّهُ بِذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَبَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، أَلَا تَرَى أَنَّك بِعْته مِائَةَ إرْدَبٍّ لَك عَلَيْهِ قَرْضًا إلَى أَجَلٍ بِمِائَةِ إرْدَبٍّ الَّذِي لَهُ عَلَيْك مِنْ السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ.
قُلْت: وَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُ إذَا كَانَ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ سَلَمًا وَاَلَّذِي لِي عَلَيْهِ مِنْ سَلَمٍ وَبَيْنَهُ إذَا كَانَ الَّذِي لِي عَلَيْهِ قَرْضًا وَاَلَّذِي لَهُ عَلَيَّ سَلَمٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا حَلَّتْ الْآجَالُ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْكُمَا جَمِيعًا سَلَمًا فَلَا يَصْلُحُ لِوَاحِدٍ مِنْكُمَا بَيْعُ مَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَإِذَا كَانَ لِأَحَدِكُمَا قَرْضٌ وَلِلْآخَرِ سَلَمٌ فَلَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ السَّلَمِ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ الْقَرْضِ طَعَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَلَمَّا كَانَ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْقَرْضِ بَيْعُ طَعَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ سَلَمٍ عَلَيْهِ إذَا حَلَّتْ الْآجَالُ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ بَيْعَ سَلَمِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَلَيْسَ لِلَّذِي لَهُ السَّلَمُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا الطَّعَامَ قَضَاءً مِنْ سَلَمِك إذَا كَانَ مِثْلَ سَلَمِهِ، فَكَذَلِكَ الْقَرْضُ إنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَلَيْسَ هُوَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَاسْتَقْرَضَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ رَجُلٍ دَنَانِيرَ مِثْلَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي لَهُ عَلَى بَائِعِهِ أَوْ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِمِثْلِ الدَّنَانِيرِ

الصفحة 137