كتاب المدونة (اسم الجزء: 3)

مُبَايَعَتِي إيَّاهُ أَوْ مِنْ بَعْدِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا الْبَيْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ رَدَّ إلَيْهِ طَعَامَهُ أَوْ مِثْلَ طَعَامِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى أَنْ أَسْلَفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ سَنَةَ نَقْدِهِ إيَّاهَا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، قَالَ: وَلَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَبِيعُ طَعَامًا فَقَالَ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا مِنْ صِنْفِ طَعَامِهِ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِ طَعَامِهِ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ، وَلَا مِثْلَ كَيْلِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ نَقْدًا، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَبْتَاعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانَ مِثْلَ كَيْلِ طَعَامِهِ وَكَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا وَهَذَا الَّذِي كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ هَذَا وَهِيَ تُشْبِهُ مَسْأَلَتَكَ الَّتِي سَأَلْتَنِي عَنْهَا لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَ الطَّعَامَ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفِ طَعَامِهِ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ كَأَنَّهُ هُوَ طَعَامُهُ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ وَخَافَ فِيمَا بَيْنَهُمَا الدُّلْسَةَ أَنْ يَقَعَ السَّلَفَ وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ هَذَا وَلَمْ يَجْعَلْ الثِّيَابَ مِثْلَهَا.
قُلْتُ: وَالطَّعَامُ كُلُّهُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُوزَنُ وَيُكَالُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَمِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ أَهُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَلَوْ أَنِّي بِعْتُ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فُسْطَاطِيًّا أَوْ فُرْقُبِيًّا بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ فَأَصَبْتُ مَعَهُ ثَوْبًا يَبِيعُهُ مِنْ صِنْفِ ثَوْبِي مِثْلَهُ فِي صِنْفِهِ وَذَرْعِهِ قَبْلَ مَحَلِّ أَجَلِ دَيْنِي عَلَيْهِ مَنْ ثَمَنِ ثَوْبِي فَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا أَيَصْلُحُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا وَلَيْسَ الثِّيَابُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ.
قُلْتُ: مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ فِي هَذَا؟
قَالَ: لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ صِنْفِ طَعَامِهِ فَكَأَنَّهُ هُوَ طَعَامُهُ الَّذِي بَاعَهُ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ الثِّيَابَ مَنْ اسْتَهْلَكَهَا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَهُوَ إذَا لَقِيَهُ وَمَعَهُ ثَوْبٌ مِنْ صِنْفِ ثَوْبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبَهُ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ هُوَ ثَوْبَهُ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إنْ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَالَ: وَلَوْ كَرِهْتُ هَذَا لَجَعَلْتُ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ مِثْلَ الثِّيَابِ وَهَذَا يُتَفَاحَشُ وَلَا يَحْسُنُ؟
قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَأَقَالَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَخَذَ ثَمَنَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ مَا لَمْ يُعَجِّلْ الَّذِي عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَوْ يُؤَخِّرُهُ عَنْ أَجَلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غَابَ عَلَى الثَّوْبَيْنِ.

وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ إرْدَبَّيْنِ مَنْ حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ فَغَابَ الْمُبْتَاعُ عَلَيْهِ فَأَقَالَهُ مَنْ إرْدَبِّ قَمْحٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فَالطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ فِي الْبُيُوعِ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَقَالَهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ مِنْ إرْدَبٍّ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي

الصفحة 164