كتاب المدونة (اسم الجزء: 3)

نَوْعَ وَاحِدٌ وَأَمْرٌ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ لَيْسَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِضَّةِ الْمَكْسُورَةِ اخْتِلَافٌ فِي الْجُودَةِ إنَّ بَعْضَهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْفِضَّةِ مَا بَعْضُهَا أَرْدَأُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ النَّاسِ فَلَا يَكُونُ الرَّدِيءُ عَلَى حَالٍ أَجْوَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ مِثْلَ مَا يَكُونُ بَيْنَ السَّمْرَاءِ وَالشَّعِيرِ فَلِذَلِكَ جَازَ لِلَّذِي أَخَذَ فِضَّةً دُونَ فِضَّتِهِ فِي الْجُودَةِ وَأَخَذَ دُونَ وَزْنِهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: بِعْت فِضَّتَك بِفِضَّةٍ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهَا لِاقْتِرَابِ الْفِضَّةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ تَرَكَ بَعْضَ فِضَّتِهِ وَأَخَذَ بَعْضَهَا.
وَقِيلَ لِلَّذِي أَخَذَ الْمَحْمُولَةَ مِنْ السَّمْرَاءِ بِشَرْطٍ عَلَى مَا وَصَفْت لَك حِينَ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِهَا: إنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ بِعْت سَمْرَاءَ بِمَحْمُولَةٍ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِهَا لِافْتِرَاقِ مَا بَيْنَ الْمَحْمُولَةِ وَبَيْنَ السَّمْرَاءِ عِنْدَ النَّاسِ وَفِي أَسْوَاقِهِمْ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ السَّمْرَاءُ أَجْوَدَ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْمَحْمُولَةُ أَجْوَد فَإِذَا وَجَدْنَا هَذَا هَكَذَا تَكُونُ دَخَلَتْ التُّهْمَةُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا دَخَلَتْ التُّهْمَةُ بَيْنَهُمَا فَسَدَ مَا صَنَعَا وَلَمْ يَحِلَّ فَصَارَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا وَأَمَّا مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَمْرِ الْفِضَّةِ فَبَعْضُهَا قَرِيبَةٌ مِنْ بَعْضٍ وَأَسْوَاقُهَا كَذَلِكَ فَلَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التُّهْمَةُ فَلَمَّا سَلِمَا مِنْ التُّهْمَةِ جَازَ لَهُمَا مَا صَنَعَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ الْفِضَّةِ هِيَ أَجْوَدُ مِنْ فِضَّتِهِ وَأَقَلُّ وَزْنًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ. قُلْت: وَالذَّهَبُ مِثْلَ الْفِضَّةِ فِي جَمِيعِ مَا سَأَلْتُك عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ

قُلْت: أَرَأَيْت الدِّرْهَمَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذْت مِنْهُ بِهِ فِضَّةً تِبْرًا أَجْوَدَ مَنْ فِضَّتِهِ وَأَقَلَّ مَنْ وَزْنِهِ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ قُلْت: فَإِنْ أَخَذْت مِنْهُ أَجْوَدَ مِنْ فِضَّةِ الدِّرْهَمِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ وَانْظُرْ فِي الزِّيَادَةِ قُلْت: وَالدِّرْهَمُ فِي هَذَا وَالدِّرْهَمَانِ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَأْخُذَ دُونَ دَرَاهِمِك تِبْرًا فِضَّةً إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ أَجْوَدَ مِنْ فِضَّةِ الدَّرَاهِمِ؟
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَسْلَفَ مِائَةَ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ فَأَخَذَ بِهَا خَمْسِينَ إرْدَبًّا مَحْمُولَةً أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ ابْتَاعَهَا مِنْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ مَحْمُولَةً مَا حَلَّتْ لَهُ، وَلَكَانَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الْقَرْضِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ وَجْهِ ابْتِيَاعِ الطَّعَامِ فَقَدْ صَدَقَ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ يَدًا بِيَدٍ مِائَةَ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ بِخَمْسِينَ مَحْمُولَةً وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ السَّمْرَاءَ أَجْوَدُ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا لَا يَحِلُّ.
فَالسَّمْرَاءُ مِنْ الْبَيْضَاءِ إذَا وَقَعَ هَكَذَا لَمْ يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَمْرَاءَ مَحْمُولَةً إلَّا مِثْلَ كَيْلِهَا، وَلَوْ جَازَ فِي الْمَحْمُولَةِ لَجَازَ فِي الشَّعِيرِ فَتَتَفَاحَشُ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِ

الصفحة 41