كتاب المدونة (اسم الجزء: 3)

آنِيَتِهِمْ أَوْ أَمْتِعَتِهِمْ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ عِنْدَ الصُّنَّاعِ فَاسْتَعْمَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَوْصُوفًا، وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا بَعِيدًا، وَجَعَلَ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا بَعِيدًا أَيَكُونُ هَذَا سَلَفًا أَوْ تُفْسِدُهُ لِأَنَّهُ ضَرَبَ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا بَعِيدًا أَمْ لَا يَكُونُ هَذَا سَلَفًا وَيَكُونُ بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَجُوزُ؟ قَالَ: أَرَى فِي هَذَا أَنَّهُ إذَا ضَرَبَ لِلسِّلْعَةِ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا أَجَلًا بَعِيدًا وَجَعَلَ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَى الَّذِي يَعْمَلُهَا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَرِيبُهُ إيَّاهُ يَعْمَلُهُ مِنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَعْمَلَهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ، وَقَدَّمَ رَأْسَ الْمَالِ أَوْ دَفَعَ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَمْ يَضْرِبْ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا، فَهَذَا السَّلَفُ جَائِزٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِلَّذِي عَلَيْهِ يَأْتِي بِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ عَلَى صِفَةِ مَا وَصَفَا. قُلْت: وَإِنْ ضَرَبَ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا بَعِيدًا وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا فَسَدَ وَصَارَ دَيْنًا فِي دَيْنٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْمَلَهُ هُوَ نَفْسُهُ أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا سَلَفًا لِأَنَّ هَذَا رَجُلٌ سَلَّفَ فِي دَيْنٍ مَضْمُونٍ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلَ نَفْسِهِ وَقَدَّمَ نَقْدَهُ، فَهُوَ لَا يَدْرِي أَيُسْلِمُ هَذَا الرَّجُلُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيَعْمَلُهُ لَهُ أَمْ لَا، فَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ وَهُوَ إنْ سَلَّمَ عَمَلَهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَاتَ قَبْلَ الْأَجَلِ بَطَلَ سَلَفُ هَذَا، فَيَكُونُ الَّذِي أُسْلِفَ إلَى قَدْ انْتَفَعَ بِذَهَبِهِ بَاطِلًا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَسْلَفَهُ كَمَا وَصَفْت لَك عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ مَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ أَرَاهُ إيَّاهُ أَوْ طَوَاهِرَ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نُحَاسٍ قَدْ أَرَاهُ إيَّاهُ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُسْلِمُ ذَلِكَ الْحَدِيدَ أَوْ الطَّوَاهِرَ أَوْ الْخَشَبَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا، وَلَا يَكُونُ السَّلَفُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.

[السَّلَف فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ]
فِي السَّلَفِ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ قُلْت: هَلْ يُسْلِمُ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُسْلِمُ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ يَدًا بِيَدٍ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ عَرْضَا أَيَصْلُحُ؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ صِفَتَهُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ صِفَتُهُ مَعْرُوفَةً أَيُكْرَهُ أَنْ يُسْلِفَ فِيهِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ إلَى أَجَلٍ؟ .
قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

الصفحة 69