كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

، وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الشَّرَائِطُ، فَمَاتَ الْمُطِيعُ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَإِنْ مَضَى وَقْتُ إِمْكَانِ الْحَجِّ، اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِطَاعَتِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَوْرُوثٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَشَبَّهَهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» بِمَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ، لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَشَبَّهَهُ صَاحِبُ «الْمُعْتَمَدِ» بِالْمَالِ الضَّالِّ فِي الزَّكَاةِ. وَالْمَذْهَبُ: وَجُوبُهَا فِيهِ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِحَالٍ، فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَلَا اسْتِطَاعَةَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَالِ وَالطَّاعَةِ. وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ رُجُوعُهُ الْجَائِزُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَبِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ «الرَّهْنِ» هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَسَائِلِ بَيْعِ الْعَدْلِ الرَّهْنَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْذُلَ الْأَجْنَبِيُّ الطَّاعَةَ، فَيَلْزَمُ قَبُولُهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْأَخُ كَالْأَجْنَبِيِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهُ يَثْقُلُ. وَكَذَا الْأَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَحُكِيَ فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ وَجْهٌ: أَنَّهُ كَالِابْنِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّفَقَةِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَبْذُلَ الْوَلَدُ الْمَالَ، فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ. وَبَذْلُ الْأَبِ الْمَالَ كَبَذْلِ الِابْنِ، أَوْ كَبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ، فِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْإِمَامُ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ
جَمِيعُ الْمَذْكُورِ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ، هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْبَاذِلُ رَاكِبًا. فَلَوْ بَذَلَ الِابْنُ الطَّاعَةَ لِيَحُجَّ مَاشِيًا، فَفِي لُزُومِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: هُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِ الْمَاشِي، وَهُنَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ

الصفحة 16