كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

فَرْعٌ
مُقْتَضَى كَلَامِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُ تَقْدِيمِ الْإِجَارَةِ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ، وَأَنَّ لِلْأَجِيرِ انْتِظَارَ خُرُوجِهِمْ، وَيَخْرُجُ مَعَ أَوَّلِ رُفْقَةٍ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ يُنَازَعُ فِيهِ. وَيَقْتَضِي اشْتِرَاطَ وُقُوعِ الْعَقْدِ فِي زَمَنِ خُرُوجِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ. حَتَّى قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الْعَيْنِ، إِلَّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ، بِحَيْثُ يَشْتَغِلُ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِالْخُرُوجِ أَوْ بِأَسْبَابِهِ مِنْ شِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، لَمْ يَصِحَّ. وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِمَكَّةَ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِيُمْكِنَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْعَمَلِ عَقِيبَ الْعَقْدِ. وَعَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: لَوْ جَرَى الْعَقْدُ فِي وَقْتِ تَرَاكُمِ الْإِنْدَاءِ وَالثُّلُوجِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَجِيزِ» ، وَصَحَّحَهُ فِي «الْوَسِيطِ» لِأَنَّ تَوَقُّعَ زَوَالِهَا مَضْبُوطٌ.
وَالثَّانِي: لَا لِتَعَذُّرِ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ انْتِظَارِ خُرُوجِ الرُّفْقَةِ فَإِنَّ خُرُوجَهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ.
أَمَّا إِجَارَةُ الذِّمَّةِ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْخُرُوجِ بِلَا شَكٍّ.
قُلْتُ: أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا النَّقْلَ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ، أَوْ هُوَ شُذُوذٌ مِنْ صَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إِلَى جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي «التَّتِمَّةِ» وَ «الشَّامِلِ» وَ «الْبَحْرِ» وَغَيْرِهَا، مُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ عَلَى الْعَادَةِ، أَوِ الِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ. قَالَ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» : أَمَّا عَقْدُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ، هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

الصفحة 21