كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

فَرْعٌ
إِذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فِي أَثْنَائِهِ فَهَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى حَجِّهِ؟ قَوْلَانِ. الْأَظْهَرُ الْجَدِيدُ: لَا يَجُوزُ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَالْقَدِيمُ: يَجُوزُ. فَعَلَى الْجَدِيدِ: يَبْطُلُ الْمَأْتِيُّ بِهِ إِلَّا فِي الثَّوَابِ، وَيَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ إِنْ كَانَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ. وَعَلَى الْقَدِيمِ: تَارَةً يَمُوتُ وَقَدْ بَقِيَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ، وَتَارَةً لَا يَبْقَى، فَإِنْ بَقِيَ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْحَجِّ، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ إِنْ لَمْ يَقِفِ الْمَيِّتُ، وَلَا يَقِفُ إِنْ كَانَ وَقَفَ وَيَأْتِي بِبَاقِي الْأَعْمَالِ، وَلَا بَأْسَ بِوُقُوعِ إِحْرَامِ النَّائِبِ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى إِحْرَامِ الشَّيْءِ مِنْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ، فَفِيمَا يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى، فَيُجْزِئَانِهِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ. وَلَا يَبِيتُ، وَلَا يَرْمِي، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَكِنْ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ. وَأَصَحُّهُمَا: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَيَأْتِي بِبَقِىةِ الْأَعْمَالِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إِذَا ابْتَدَأَهُ، وَهَذَا يُبْنَى عَلَى مَا سَبَقَ.
وَعَلَى هَذَا، لَوْ مَاتَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، أَحْرَمَ النَّائِبُ إِحْرَامًا لَا يُحَرِّمُ اللَّبْسَ وَالْقَلْمَ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْمَيِّتُ. هَذَا كُلُّهُ، إِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُمَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَبْرُ مَا بَقِيَ بِالدَّمِ. وَأَوْهَمَ بَعْضُهُمْ إِجْرَاءَ الْخِلَافِ [فِيهِ] .

الصفحة 30