كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

فَرْعٌ
إِذَا مَاتَ الْأَجِيرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ، فَلَهُ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَرْكَانِ، وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَسْتَحِقُّ، وَسَوَاءٌ مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ قَبْلَهُ.
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ قَطْعًا، وَهُوَ شَاذٌّ. فَإِذَا قُلْنَا: يَسْتَحِقُّ، فَهَلْ يُقَسِّطُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ، أَمْ عَلَيْهَا مَعَ السَّيْرِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إِنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي، قَسَّطَ عَلَى الْعَمَلِ فَقَطْ. وَإِنْ قَالَ: لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا، قَسَّطَ عَلَيْهِمَا، وَحَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْحَالَيْنِ. ثُمَّ هَلْ يُبْنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ الْأَجِيرُ؟ يُنْظَرُ، إِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ، انْفَسَخَتْ وَلَا بِنَاءَ لِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ، وَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبْنِي؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ.
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ، فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ عَنِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ. فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِبَقَاءِ الْوَقْتِ، فَذَاكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، ثَبَتَ الْخِيَارُ كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَبْنُوا.
ثُمَّ الْقَوْلُ فِيمَا يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ، وَفِي حُكْمِ إِحْرَامِهِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، عَلَى مَا سَبَقَ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي السَّيْرِ، وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَالصَّيْرَفِيُّ: يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدَانَ: [إِنْ] قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي، لَمْ يَسْتَحِقَّ. وَإِنْ قَالَ: لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا، اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ.

الصفحة 31