كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

وَكَذَا لَوِ اطَّلَعَ حِينَ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَاشْتَغَلَ بِهَا، فَلَا بَأْسَ. وَكَذَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا أَوْ أَغْلَقَ بَابًا. وَلَوِ اطَّلَعَ لَيْلًا، فَلَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ تَرْتِيبًا مُشْكِلًا خِلَافَ الْمَذْهَبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْمُبَادَرَةِ وَمَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَمَا لَا يَكُونُ، إِنَّمَا نَبْسُطُهُ فِي كِتَابِ «الشُّفْعَةِ» ، وَنَذْكُرُ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَالَّذِي فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْبَائِعَ إِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ، رَدَّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ وَكِيلُهُ حَاضِرًا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْمُرَافَعَةِ إِلَى الْقَاضِي. وَلَوْ تَرَكَهُ، وَرَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي، فَهُوَ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ. وَحَاصِلُ هَذَا تَخَيْيُرُهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ رَفَعَ إِلَى الْقَاضِي. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ: يَدَّعِي شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَأَنَّهُ أَقْبَضَهُ الثَّمَنَ وَظَهَرَ الْعَيْبُ، وَأَنَّهُ فَسَخَ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي وَجْهٍ مُسَخَّرٍ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي، وَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي مَعَ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ مِنْهُ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَيَبْقَى الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَى الْغَائِبِ، فَيَقْضِيهِ الْقَاضِي مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ، بَاعَهُ فِيهِ. وَإِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْخَصْمِ أَوِ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ، لَوْ تَمَكَّنَ مِنَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ، هَلْ يَلْزَمُهُ؟ وَجْهَانِ. قَطَعَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرُهُ، بِاللُّزُومِ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ بِعُذْرِ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ. وَلَوْ عَجَزَ فِي الْحَالِ عَنِ الْإِشْهَادِ، فَهَلْ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَصَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» : لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ. وَإِذَا لَقِيَ الْبَائِعَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، لَمْ يَضُرَّ. فَلَوِ اشْتَغَلَ بِمُحَادَثَتِهِ، بَطَلَ حَقُّهُ.

الصفحة 479