كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ. وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا، فَفِي سُقُوطِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ مُحْرِمًا. وَلَوْ عَادَ إِلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ، بِأَنْ كَانَ مِيقَاتُ عُمْرَتِهِ الْجُحْفَةَ فَعَادَ إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَهَلْ هُوَ كَالْعَوْدِ إِلَى مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ؟ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ لَيْسَ سَاكِنُوهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَالْمُعْتَبَرِينَ.
فَرْعٌ
لَوْ دَخَلَ الْقَارِنُ مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا دَمَ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْإِمْلَاءِ» وَصَحَّحَهُ الْحَنَّاطِيُّ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنْ قُلْنَا: الْمُتَمَتِّعُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ، بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ. الشَّرْطُ الْخَامِسُ: مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّهُ، هَلْ يُشْتَرَطُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ؟ وَجْهَانِ. قَالَ الْخُضَرِيُّ: يُشْتَرَطُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُشْتَرَطُ.
وَيُتَصَوَّرُ فَوَاتُ هَذَا الشَّرْطِ فِي صُوَرٍ. إِحْدَاهَا: أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ شَخْصٌ لِحَجٍّ، وَآخَرُ لِعُمْرَةٍ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لِعُمْرَةٍ، فَيَفْرَغَ ثُمَّ يَحُجَّ لِنَفْسِهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لِحَجٍّ فَيَعْتَمِرَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَحُجَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ نِصْفَ دَمِ التَّمَتُّعِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْحَجُّ، وَنِصْفَهُ عَلَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْعُمْرَةُ. وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» .

الصفحة 49