كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَادِرٌ، وَحُبِسَ إِلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ أَوْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِعَجْزِهِ، فَإِنِ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي الْعِلْمَ بِالْحَالِ فَأَنْكَرَ، حَلَّفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ هُوَ وَأَخَذَ مِنْهُ.

فَصْلٌ
إِذَا طَرَأَ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ، نُظِرَ إِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، بِأَنْ عَمِيَ الْعَبْدُ، أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ، أَوْ سَقَطَتْ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِلَّا أَجَازَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا أَرْشَ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفَسْخِ. وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ، عَادَتِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ.
أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ الْجَانِي هُوَ الْمُشْتَرِيَ. فَإِذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ مَثَلًا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ; لِأَنَّ النَّقْصَ بِفِعْلِهِ، بَلْ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ، وَيُجْعَلُ قَابِضًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ، حَتَّى يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ. فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، لَمْ يَضْمَنِ الْمُشْتَرِي الْيَدَ بِأَرْشِهَا الْمُقَدَّرِ، وَلَا بِمَا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ. وَفِي مِعْيَارِهِ، وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْحَدَّادِ: يُقَوَّمُ الْعَبْدُ صَحِيحًا ثُمَّ مَقْطُوعًا، وَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ، فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ. .
بَيَانُهُ: قُوِّمَ صَحِيحًا بِثَلَاثِينَ، وَمَقْطُوعًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ. وَلَوْ قُوِّمَ مَقْطُوعًا بِعِشْرِينَ، كَانَ عَلَيْهِ ثُلُثُ الثَّمَنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: يَسْتَقِرُّ مِنَ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ أَرْشِ الْيَدِ مِنَ الْقِيمَةِ، وَهُوَ النِّصْفُ. وَعَلَى هَذَا، لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَانْدَمَلَتَا، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ تَمَامُ الثَّمَنِ.
هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ إِتْلَافَ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ. فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ.

الصفحة 506