كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 3)

مَكَّةَ. وَالَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهَا بِالْمَدِّ أَيْضًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ كَتَبُوهَا بِالْأَلْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَهَا بِالْيَاءِ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الضَّبْطِ: أَنَّ الثَّنِيَّةَ السُّفْلَى - بِالْقَصْرِ وَتَنْوِينِ الدَّالِ - وَلَا اعْتِدَادَ بِشَيَاعِ خِلَافِهِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا كِتَابَتُهُ بِالْأَلِفِ، فَلَيْسَتْ مُلَازِمَةً لِلْمَدِّ. وَالثَّنِيَّةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَهَذِهِ الثَّنِيَّةُ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهَذِهِ السُّنَّةُ فِي حَقِّ مَنْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ.
فَأَمَّا الْآتِي مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا يُؤْمَرُ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ مَكَّةَ لِيَدْخُلَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ، وَكَذَا الْغُسْلُ بِذِي طُوًى. قَالُوا: وَإِنَّمَا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تِلْكَ الثَّنِيَّةِ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا. وَمُقْتَضَى هَذَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ نُسُكٌ بِالدُّخُولِ مِنْهَا لِلْآتِي مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ. وَكَذَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَتِ الثَّنِيَّةُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، بَلْ عَدَلَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَيُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِكُلِّ آتٍ. وَوَافَقَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ، وَسَلَّمَ لِلشَّيْخِ بِأَنَّ مَوْضِعَ الثَّنِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ: أَنْ يُسْتَحَبَّ الدُّخُولُ مِنَ الثَّنِيَّةِ لِكُلِّ آتٍ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
هَلِ الْأَفْضَلُ دُخُولُ مَكَّةَ مَاشِيًا، أَمْ رَاكِبًا؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ دَخَلَ مَاشِيًا، فَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَافِيًا.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: مَاشِيًا أَفْضَلَ، وَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لَيْلًا وَنَهَارًا بِلَا كَرَاهَةٍ، فَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ فِيهِمَا. وَالْأَصَحُّ: أَنَّ النَّهَارَ أَفْضَلُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَهُ

الصفحة 75