كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

إلى الملك عرف بلبسته صناعته والطبقة التى هو فيها» (¬1). وطبّق العباسيون هذا الرسم على موظفيهم تطبيقا دقيقا حكاه الحاحظ إذ يقول: «ولكل قوم زىّ، فللقضاة زىّ، ولأصحاب القضاة زىّ وللشرط زىّ، وللكتّاب زىّ، وللكتّاب الجند زىّ. . . وأصحاب السلطان ومن دخل الدار على مراتب، فمنهم من يلبس المبطّنة، ومنهم من يلبس الدّرّاعة (¬2)، ومنهم من يلبس القباء (¬3)، ومنهم من يلبس البازيكند (¬4) ويعلق الخنجر ويأخذ الجرز (¬5) ويتخذ الجمّة» (¬6) وكان الفقهاء يلبسون المبطّنة والطيلسان (¬7) والقلانس (¬8)
فتقاليد الساسانيين حوكيت حتى فى أزياء رجال الحاشية والموظفين وطبقاتهم، وكان ما دخل منها فى شئون الحكم أقوى قوة، مما دفع كثيرين من الفرس إلى ترجمة الكتب التى تصورها عن لغتهم، وعمل ابن المقفع فى هذا الميدان ذائع مستفيض، فقد نقل إلى العربية طائفة من الكتب والرسائل التى تتصل بالحكم الساسانى ورسومه من مثل كتاب «آيين نامه» ومعنى آيين النظم والتقاليد. ولم يقف عمله فى هذا الصدد عند الترجمة، فقد نقل فى رسائله القصيرة والطويلة كثيرا من وصايا الفرس فى السياسة والحكم على نحو ما يلقانا فى رسائله المعروفة باسم «الأدب الصغير» و «الأدب الكبير» و «رسالة الصحابة» وهو يريد بهم صحابة السلطان وحاشيته. وقد بعث البرامكة وبنو سهل-بعد ابن المقفع-المترجمين على نقل كثير من الكتب والرسائل التى تحمل تقاليد الساسانيين فى الحكم والسلطان وحقّا فقدت الكثرة الكثيرة من هذه الكتب، ولكن بقيت منها نصوص وفيرة تلقانا فى حديث الطبرى عن الفرس فى أوائل تاريخه الكبير وفى مقدمة كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى وفى عيون الأخبار لابن قتيبة. ولعلنا لا نغلو بعد ذلك كله إذا قلنا إن النظم السياسية والإدارية فى الدولة العباسية طبعت بطوابع فارسية
¬_________
(¬1) الجهشيارى ص 3.
(¬2) الدراعة: جبة فارسية.
(¬3) القباء: ثوب فارسى قصير.
(¬4) البازيكند: كساء يلقى على الكتف.
(¬5) الجرز: آلة من حديد يضرب بها.
(¬6) البيان والتبيين 3/ 114 والجمة: ما يسقط على المنكبين من الشعر.
(¬7) أغانى (طبع دار الكتب) 5/ 360. والطيلسان: ثوب فارسى.
(¬8) أغانى 6/ 291 والقلانس: جمع قلنسوة وهى غطاء فارسى للرأس.

الصفحة 25