كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

المعروف بابن طباطبا ويقضى على ثورته قضاء مبرما (¬1). وكان المأمون حر الفكر ويظهر أنه كان يأسى لما أصاب أبناء عمه العلويين فى دولتهم، واستغل ذلك فيه وزيره الفضل بن سهل، وكان فيه تشيع لهم، فزيّن له-وهو بمرو-أن يعهد بالخلافة من بعده إلى على الرضا بن موسى الكاظم الإمام الثامن فى ترتيب الشيعة الإثنى عشرية وكان مثالا للتقوى والورع وكان المأمون يبجّله ويعظمه، فاستصوب رأى وزيره وجعله ولىّ عهده من بعده، وكتب بذلك إلى الآفاق، وأمر بخلع السواد شعار العباسيين ولبس الخضرة شعار العلويين (¬2). ولم يكد يصل هذا الصنيع إلى العباسيين ببغداد حتى وجدوا على المأمون موجدة شديدة، جعلتهم يسارعون إلى خلعه والبيعة لعمه إبراهيم بن المهدى. وأحسّ أن الأمر يوشك أن يخرج من يده، فتجهّز للمسير إلى بغداد، وفى طريقه بطوس توفّى على الرضا، فلم يتخذ وليّا لعهده من العلويين، بل عاد إلى بنى العباس واغتيل حينئذ الفضل بن سهل.
وما إن وصل إلى بغداد حتى اختفى عمه إبراهيم وظل مستخفيا مدة حتى عفا عنه.
وعاد ثانية إلى لبس السواد، وظل يعطف على أبناء عمه العلويين، على الرغم من خروجهم عليه مرارا (¬3)، وكان مما وثّق هذا العطف فى نفسه ثمامة بن أشرس النمرى مقدم المعتزلة فى مجالسه، وكان شيعى الهوى، ولعله هو الذى دفعه إلى أن يأمر مناديا ينادى فى الناس سنة 211: «برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أو فضّله على أحد من الصحابة، وإن أفضل الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب رضى الله عنه» (¬4) وأيضا لعله هو الذى دفعه إلى أن يكتب فى شهر ربيع الأول من السنة التالية إلى الآفاق بتفضيل على بن أبى طالب-رضى الله عنه-على جميع الصحابة (¬5). وربما كانت أهم ثورة للشيعة بعد المأمون
¬_________
(¬1) اليعقوبى 3/ 175 والطبرى 7/ 117 والمسعودى 3/ 348 وابن الطقطقى ص 165 والنجوم الزاهرة 2/ 164 وفى مواضع متفرقة (انظر الفهرس).
(¬2) انظر فى بيعة المأمون لعلى الرضا كتاب اليعقوبى 3/ 176 والطبرى 7/ 139 والمسعودى 3/ 349 وابن الطقطقى ص 162 والنجوم الزاهرة 2/ 169.
(¬3) انظر الطبرى 7/ 168 والنجوم الزاهرة 2/ 183
(¬4) الطبرى فى حوادث سنتى 211، 212 وراجع النجوم الزاهرة 2/ 201.
(¬5) الطبرى فى حوادث سنة 212 والنجوم الزاهرة 2/ 203 وقد أوصى المعتصم عند وفاته بأبناء عمه العلويين خيرا وأن يتغاضى عن مسيئهم فإن حقوقهم تجب من وجوه شتى. انظر الطبرى 7/ 210.

الصفحة 31