كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان فى العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع» (¬1). وكان يرى أن الذكاء لا يعمر القلوب ولا يثمر الثمرة المرجوة بدون العلم، وإلا كان كالأرض الطيبة الخراب. ولعله لذلك دأب على التثقف بكل ما استطاع من الآداب الفارسية وما ترجم إلى لغته من الهندية وكذلك ما ترجم إليها من اليونانية زمن كسرى أنو شروان.
وبذلك كان ابن المقفع يجمع بين الثقافات العربية والإسلامية والفارسية والهندية واليونانية، وقد نقل إلى العربية عن لغته خير ما عرف من الثقافات الأخيرة، وكان للثقافة الفارسية الحظ الأكبر، فقد نقل عنها كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع كتابا فى تعاليم مزدك وكتاب «خداى نامه» وهو فى سير الملوك الإيرانيين، وعليه اعتمد الفردوسى فى نظم «الشاهنامه» وكذلك نقل كتاب التاج فى سيرة أنوشروان.
ونقل عنها فى أنظمة الملك وتدبير السياسة والحكم كتاب «آيين نامه» ورسالة «تنسر» وفى عيون الأخبار منهما ومن كتاب التاج نقول مختلفة. وكان فى الفهلوية أدب أخلاقى كثير نما فى بلاط الساسانيين، وكان يراد به إلى تثقيف الفرس بما يوضح لهم سبل الحياة العامة عن طريق الأمثال وما تشفع به من الحكم، ونقل من ذلك ابن المقفع مادة غزيرة فى الأدب الصغير والأدب الكبير واليتيمة ورسالة الصحابة. وعمد إلى خير أثر فى لغته للهنود وهو كتاب كليلة ودمنة فنقله إلى العربية، كما نقل عن لغته بعض ما ترجم إليها عن اليونانية من كتب أرسطو فى المقولات والقياس المنطقى.
وما نقله عن أرسطو من لغته مفقود، ولم يصلنا ما نقله عن الفهلوية من الكتب الخمسة الأولى إلا ما اقتبسه ابن قتيبة مما يتصل ببعض وصايا الفرس السياسية وأنظمتهم فى الملك والقضاء وفنون الحرب. ونحن نقف قليلا عند الأدبين الصغير والكبير واليتيمة ورسالة الصحابة.
والأدب الصغير رسالة قصيرة (¬2) فى نحو ثلاثين صحيفة تتضمن طائفة من
¬_________
(¬1) مراتب النحويين لأبى الطيب اللغوى (طبعة مكتبة نهضة مصر) ص 28.
(¬2) انظر الأدب الصغير فى رسائل البلغاء لمحمد كرد على (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص 1 وما بعدها.

الصفحة 511