كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

الوصايا الخلقية والاجتماعية التى ترشد الناس إلى صلاح معاشهم فى أنفسهم وفى علاقاتهم بعناصر المجتمع من أهل السلطان ومن الأصدقاء ومن غيرهم، ونراه يقول فى أوائلها: «قد وضعت فى هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفا، فيها عون على عمارة القلوب وصقالها وتجلية أبصارها، وإحياء للتفكير، وإقامة للتدبير، ودليل على محامد الأمور ومكارم الأخلاق» ومن قوله فى تضاعيفها:
«على العاقل أن لا يستصغر شيئا من الخطأ فى الرأى والزّلل فى العلم والإغفال فى الأمور. إن من استصغر الصغير أوشك أن يجمع إليه صغيرا وصغيرا، فإذا الصغير كبير، وإنما هى ثلم (¬1) يشلمها العجز والتضييع، فإذا لم تسدّ أوشكت أن تنفجر بما لا يطاق. كلام اللبيب وإن كان نزرا أدب عظيم، ومقارفة (¬2) المأثم وإن كان محتقرا مصيبة جليلة. لا يمنعنّك صغر شأن امرئ من اجتباء ما رأيت من رأيه صوابا، واصطفاء ما رأيت من أخلاقه كريما، فإن اللؤلؤة الفائقة لا تهان لهوان غائصها الذى استخرجها. أعدل السّير أن تقيس الناس بنفسك، فلا تأتى إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك. حق على العاقل أن يتخذ مرآتين فينظر من إحداهما فى مساوئ نفسه فيتصاغر بها، ويصلح ما استطاع منها، وينظر من الأخرى فى محاسن الناس فيحكيهم بها، ويأخذ ما استطاع منها. عمل الرجل فيما يعلم أنه خطأ هوى، والهوى آفة العفاف. من أشد عيوب الإنسان خفاء عيوبه عليه فإنه من خفى عيبه عليه خفيت عليه محاسن غيره، ومن خفى عليه عيب نفسه ومحاسن غيره فلن يقلع عن عيبه الذى لا يعرف، ولن ينال محاسن غيره التى لا يبصرها أبدا. لا يتمّ حسن الكلام إلا بحسن العمل كالمريض الذى قد علم دواء نفسه، فإذا هو لم يتداو به لم يغنه علمه. والرجل ذو المروءة قد يكرم على غير مال كالأسد الذى يهاب وإن كان عقيرا (¬3)، والرجل الذى لا مروءة له يهان وإن كثر ماله كالكلب الذى يهون على الناس وإن طوق وخلخل» (¬4).
وأكثر وصايا الأدب الصغير على هذا النحو من القصر وقلما يطّرد فيها
¬_________
(¬1) ثلم: جمع ثلمة وهى الخلل.
(¬2) مقارفة: ارتكاب.
(¬3) عقيرا: جريحا.
(¬4) خلخل: وضع فى رجله خلخال.

الصفحة 512