كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

فيما مضى، وهو ممضيه ومنفذه على ذلك فيما بقى ({يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)} و ({لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).} والحمد لله الذى لا يقضى فى الأمور ولا يدبّرها غيره، ابتدأها بعلمه وأمضاها بقدرته، وهو وليّها ومنتهاها، وولىّ الخيرة فيها والإمضاء لما أحبّ أن يمضى منها ({يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ).} والحمد لله الفتاح العليم العزيز الحكيم، ذى المنّ والطّول (¬1) والقدرة والحول (¬2)، الذى لا ممسك لما فتح لأوليائه من رحمته، ولا دافع لما أنزل بأعدائه من نقمته، ولا رادّ لأمره فى ذلك وقضائه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. والحمد لله المثيب بحمده ومنه ابتداؤه، والمنعم بشكره وعليه جزاؤه، والمثنى بالإيمان وهو عطاؤه».
والآيات المقتبسة من الذكر الحكيم كثيرة فى هذا التحميد، وقد وضعناها بين أقواس لتتضح مواضعها، ووراءها ألفاظ كثيرة مستمدة من القرآن الكريم. وبدا عنده هنا شئ من السجع الذى يأتى عفوا سمحا، وكأنما ابتغى هنا التنميق بأكثر مما كان يبتغيه فى ترجماته. ونحن نسوق طائفة من رسائله الإخوانية ليتضح لنا ما كان يبذل فيها من جهد فنى، وأول ما نذكر منها تهنئة بمولودة لأحد أصدقائه على هذا النمط (¬3):
«بارك الله لكم فى الابنة المستفادة، وجعلها زينا، وأجرى لكم بها خيرا، فلا تكرهها، فإنهن الأمهات والأخوات والعمّات والخالات، ومنهن ({الْباقِياتُ الصّالِحاتُ)} ورب غلام ساء أهله بعد مسرّتهم، وربّ جارية فرّحت أهلها بعد مساءتهم»
واقتبس هنا من القرآن كلمة ({الْباقِياتُ الصّالِحاتُ)} وعنى بالإيجاز والاقتصاد الشديد، ومما كتب به فى التعزية عن ولد (¬4):
«إنما يستوجب على الله وعده من صبر لله بحقّه، فلا تجمعنّ إلى ما فجعت به من ولدك الفجيعة بالأجر عليه والعوض منه، فإنها أعظم المصيبتين عليك، وأنكى المرزئتين (¬5) لك، أخلف الله عليك بخير، وذخر لك جزيل الثواب».
¬_________
(¬1) الطول: الإنعام.
(¬2) الحول: القوة.
(¬3) جمهرة رسائل العرب 3/ 57.
(¬4) جمهرة رسائل العرب 3/ 58.
(¬5) المرزءتين: المصيبتين.

الصفحة 524