كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

مصيبة وكان خارجا من سلطان لسانه، فلا يتكلم بما لا يعلم ولا يمارى (¬1) فيما علم. وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يقدم إلا على ثقة بمنفعة. وكان أكثر دهره صامتا، فإذا نطق بذّ القائلين. وكان يرى ضعيفا مستضعفا، فإذا جدّ الجدّ فهو اللّيث عاديا. وكان لا يدخل فى دعوى، ولا يشارك فى مراء، ولا يدلى بحجة، حتى يرى قاضيا فهما وشهودا عدولا. وكان لا يلوم أحدا على ما قد يكون العذر فى مثله، حتى يعلم ما اعتذاره. وكان لا يشكو وجعا إلا إلى من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا من يرجو عنده النصيحة.
وكان لا يتبرّم، ولا يتسخّط، ولا يتشكّى، ولا يتشهّى. وكان لا ينقم على الولىّ ولا يغفل عن العدو، ولا يخصّ نفسه دون إخوانه بشئ من اهتمامه وحيلته وقوته. فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق، ولكنّ أخذ القليل خير من ترك الجميع».
وواضح أن هذا الوصف للرجل الكامل وخصاله يعد درة ثمينة من درر البلاغة العباسية، ومن الخطأ البين أن يقال عن صاحبه وصاحب النصوص التى أسلفناها إنه كان كأحد المستشرقين يتعثر فى أساليبه وتضطرب لغته، ويعييه أحيانا الأداء السليم ويستعصى عليه استعصاء، فقد كانت اللغة العربية تستقيم له، وكان أعجوبة زمانه فى البيان والبلاغة مع الجزالة والنصاعة حينا، وحينا آخر مع العذوبة والرشاقة.

2 - سهل بن (¬2) هرون
هو سهل بن هرون بن راهبونى كما جاء فى البيان والتبيين، وفى كتاب البخلاء
¬_________
(¬1) يمارى: يجادل.
(¬2) انظر فى ترجمة سهل وأخباره البيان والتبيين 1/ 52، 89، 196، 238، 346، 3/ 29 والحيوان 2/ 374، 3/ 66 و 466، 5/ 653، 7/ 202 والفهرست ص 174 وزهر الآداب 2/ 257 - 259 والتنبيه والإشراف للمسعودى (طبع ليدن) ص 76 وعيون الأخبار 3/ 25، 138، 4/ 112 وشرح قصيدة ابن عبدون لابن يدرون (طبعة دوزى) ص 243 والعقد الفريد 5/ 58 وفى مواضع متفرقة (انظر الفهرس) وفوات الوفيات 1/ 181 وسرح العيون فى شرح رسالة-

الصفحة 526