كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 3)

بعد فرقتها وردّ صولجان الحكم إلى صاحبه تحوطه عناية الله ورعايته. وكان توفيق أحمد بن يوسف فى هذه الرسالة دافعا لأن يطلب منه المأمون والفضل بن سهل أن يكتب رسالة الخميس، وهى الرسالة التى كان يوجهها خلفاء العصر العباسى الأول بمجرد توليهم الخلافة إلى أهل خراسان مادّة جيوشهم وغيرهم يبسطون فيها حقّهم فى الخلافة واستحقاق الخليفة القائم لها لما امتاز به من مناقب حميدة وما ينبغى على أهل خراسان من الولاء له. وأحكم ابن يوسف الرسالة إحكاما دقيقا، وطال فيها نفسه حتى بلغت نحو خمس عشرة صحيفة، وأعجب بها معاصروه إعجابا شديدا مما جعل ابن النديم يقول: «الكتب المجمع على جودتها: عهد أردشير، كليلة ودمنة، رسالة عمارة بن حمزة الماهانية، اليتيمة لابن المقفع، رسالة الخميس لأحمد بن يوسف، وقد استهلّها بتحميد طويل طريف على هذا النمط (¬1):
«من عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين إلى المبايعين على الحق والناصرين للدين، من أهل خراسان وغيرهم من أهل الإسلام: سلام عليكم فإن أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلى على محمد عبده ورسوله، أما بعد فالحمد لله القادر، القاهر، الباعث، الوارث، ذى العزّ والسلطان، والنور والبرهان، فاطر (¬2) السموات والأرض وما بينهما، والمتقدم بالمنّ والطّول (¬3) على أهلهما، قبل استحقاقهم لمثوبته، بالمحافظة على شرائع طاعته. الذى جعل ما أودع عباده من نعمته، دليلا هاديا لهم إلى معرفته، بما أفادهم من الألباب (¬4)، التى يفهمون بها فصل الخطاب، حتى أقيموا على موارد الاختبار، وتعقّبوا مصادر الاعتبار، وحكموا على ما بطن بما ظهر، وعلى ما غاب بما حضر، واستدلوا بما أراهم من بالغ حكمته، ومتقن صنعته، وحاجة متزايل (¬5) خلقه ومتواصله إلى القوم (¬6) بما يلمّه ويصلحه، على أن له بارئا (¬7) هو أنشأه، وابتدأه، ويسّر بعضه لبعض، فكان أقرب وجودهم ما يباشرون من أنفسهم فى تصرّف أحوالهم، وفنون انتقالهم، وما يظهرون (¬8) عليه من العجز عن التأتّى (¬9) لما تكاملت
¬_________
(¬1) جمهرة رسائل العرب 3/ 377.
(¬2) فاطر: خالق.
(¬3) الطول: الإنعام.
(¬4) الألباب: العقول.
(¬5) متزايل: متفرق.
(¬6) القوم: القيام.
(¬7) بارئا: خالقا.
(¬8) يظهرون: يطلبون.
(¬9) التأتى: الترفق.

الصفحة 544