كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (اسم الجزء: 3)

قوله تعالى (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا) أن صيغة الطلب في قوله (فليمدد) يراد بها الإخبار عن سنة الله في الضالين وعليه فالمعنى أن الله أجرى العادة بأن يمهل الضال ويملي له فيستدرجه بذلك حتى يرى ما يوعده وهو في غفلة وكفر وضلال. وتشهد لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما) الآية، وقوله (فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة) الآية، كما قدمنا قريباً بعض الآيات الدالة عليه.
قوله تعالى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) دليل على رجحان القول الثاني في الآية المتقدمة وأن المعنى أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة ومن اهتدى زاده الله هدى والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة كقوله في الضلال (فلما زاغو أزاغ الله قلوبهم) وقوله (بل طبع الله عليها بكفرهم) وقوله (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم) وقوله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) الآية. كما قدمنا كثيرا من الآيات الدالة على هذا المعنى. وقال في الهدى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) وقال: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وقال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية.

الصفحة 349