كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 3)
لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف على ما قال النووي: اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف وتصير المسألة مجمعا عليها؟ فبعض قال: لا يرفعه بل يدوم الخلاف ولا تصير المسألة بعد ذلك مجمعا عليها أبدا، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني، وقال آخرون: بأن الإجماع اللاحق يرفع الخلاف السابق وتمامه في الأصول وحكى بعضهم عن زفر أنه قال: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه ويكون ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح وهي ملغية فيها، والمشهور في كتب أصحابنا أنه قال ذلك في النكاح المؤقت- وفي كونه عين نكاح المتعة- بحث، فقد قال بعضهم باشتراط الشهود في المؤقت وعدمه في المتعة، ولفظ التزويج أو النكاح في الأول، وأستمتع أو أتمتع في الثاني، وقال آخرون: النكاح المؤقت من أفراد المتعة، وذكر ابن الهمام أن النكاح لا ينعقد بلفظ المتعة، وإن قصد به النكاح الصحيح المؤبد وحضر الشهود لأنه لا يصلح مجازا عن معنى النكاح كما بينه في المبسوط بقي ما لو نكح مطلقا ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها فهل يكون ذلك نكاحا صحيحا حلاليا أم لا؟ الجمهور على الأول بل حكى القاضي الإجماع عليه، وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه فينبغي عدم نية ذلك إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بما يصلح أمر الخلق حَكِيماً فيما شرع لهم، ومن ذلك عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ مَنْ إما شرطية، وما بعدها شرطها، وإما موصولة وما بعدها صلتها، ومِنْكُمْ حال من الضمير في يَسْتَطِعْ وقوله سبحانه: طَوْلًا مفعول به- ليستطع- وجعله مفعولا لأجله على حذف مضاف أي لعدم طول تطويل بلا طول.
والمراد به الغنى والسعة وبذلك فسره ابن عباس ومجاهد، وأصله الفضل والزيادة، ومنه الطائل، وفسره بعضهم بالاعتلاء والنيل فهو من قولهم: طلته أي نلته، ومنه قول الفرزدق:
إن الفرزدق صخرة ملمومة ... طالت فليس تنالها الأوعالا
قوله عز وجل:- أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ أي الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات، وعبر عنهن بذلك لأن حريتهن أحصنتهن عن نقص الإماء- إما أن يكون متعلقا «بطولا» على معنى- ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات- وإما أن يكون بتقدير إلى أو اللام والجار في موضع الصفة «لطولا» أي- ومن لم يستطع غنى موصلا إلى نكاحهن- أو لنكاحهن- أو- على- على أن الطول بمعنى القدرة- كما قال الزجاج، ومحل أَنْ بعد الحذف جر، أو نصب على الخلاف المعروف، وهذا التقدير قول الخليل، وإليه ذهب الكسائي، وجوز أبو البقاء أن يكون بدلا من طَوْلًا بدل الشيء من الشيء، وهما لشيء واحد بناء على أن الطول هو القدرة، أو الفضل، والنكاح قوة وفضل، وقيل: يجوز أن يكون مفعولا- ليستطع- وطَوْلًا مصدر مؤكد له إذ الاستطاعة هي الطول أو تمييز- أي ومن لم يستطع منكم استطاعة- أو من جهة الطول والغنى أي لا من جهة الطبيعة والمزاج إذ لا تعلق لذلك بالمقام، وقوله تعالى وتقدس: فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ جواب الشرط أو خبر الموصول وجاءت الفاء لما مر غير مرة، وما موصولة في محل جر بمن التبعيضية، والجار والمجرور متعلق بفعل مقدر حذف مفعوله، وفي الحقيقة متعلق بمحذوف وقع صفة لذلك المفعول أي فلينكح امرأة كائنة بعض النوع الذي ملكته أيمانكم، وأجاز أبو البقاء كون مَنْ زائدة أي فلينكح ما ملكته أيمانكم، وقوله تعالى: مِنْ فَتَياتِكُمُ أي إمائكم الْمُؤْمِناتِ في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد إلى ما، وقيل: مَنْ زائدة، وفَتَياتِكُمُ هو المفعول للفعل المقدر قبل، ومما ملكت- متعلق بنفس الفعل، ومَنْ لابتداء الغاية، أو متعلق بمحذوف وقع حالا من هذا المفعول، ومَنْ للتبعيض، والْمُؤْمِناتِ على جميع الأوجه صفة فَتَياتِكُمُ، وقيل: هو مفعول ذلك الفعل المقدر، وفيه بعد.
الصفحة 9
381