كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

ويقول: «إن هذا البيت يمكن إنشاده على ثمانية أوجه، الخ.
ويشاركه في ذلك علماء عصره ثم يأتي من بعدهم ابن عابدين من علماء القرن الثالث عشر فيضع رسالة في هذا الفرض تحت عنوان «إتحاف الذكي النبيه، بجواب ما يقول الفقيه»، يشرح فيها أبياتا أولها:
ما يقول الفقيه أيده الل‍ ه ما ولا زال عنده الاحسان
في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما بعده قبله رمضان
ويورد في الرسالة آراء جميع من تقدمه من العلماء في الشرح والحكم، ولا بد أن يجعل الجواب نظما كالسؤال، وهكذا اشتغل المتأخرون بمثل هذه الفروض وأعرضوا بها عن تنمية الفقه العملي الذي يحتاج إليه الناس في معاملاتهم وقضيتهم.
4 - تغلبت نزعة الاشتغال باختراع الحيل التي يتخلص بها من الحكم الشرعي، ولقد تناولت هذه الحيل كثيرا من أبواب الفقه، ولم تقف عند الحد الذي أثر عن الأئمة من جعلها وسيلة للتخلص من ضرر أو مكروه، بل افترضوا حيلا يسقطون بها الواجبات، ويفسدون بها الالتزامات، فتجد حيلا لإسقاط الزكاة وحيلا لإسقاط حق الشفعة، وحيلا لإسقاط عدة المطلقة، وحيلا لإسقاط الحدود. . وهكذا مما لا يتفق ومقاصد الشريعة-و لقد أطنب ابن القيم أحد أفذاذ علماء القرن الثامن في كتابيه «أعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان» في الرد على فكرة الاحتيال على هذا النحو، وبين أنها مضادة لروح التشريع، وقال: «إن المتأخرين أحدثوا حيلا لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إليهم وهم مخطئون»، وإذا علمنا أن العناية بالاحتيال الفقهي وصل أمرها إلى أن جعلوه فنا من كتبهم، وبابا من أبوابها، لأخذ منا العجب مأخذه، فهذا ابن نجيم من علماء القرن العاشر يضع عنوانا في كتابه (الأشباه والنظائر) فيقول «الفن الخامس من الأشباه والنظائر وهو فن الجبل».

الصفحة 16