كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

5 - تغلبت روح التعصب المذهبي الشديد، حتى وصل الأمر في ذلك بين أتباع الأئمة إلى المناقشة في صحة الاقتداء بالمخالف في المذهب، وأخذت هذه المسألة في كل مذهب مجالا واسعا في البحث والتفريع، ووصل الأمر أيضا إلى البحث عن حكم التزوج من الشافعية، فترى الكمال بن الهمام وهو في الكلام على حكم التزوج بالوثنيات ينقل عن أحد علماء الحنفية: أنه لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال، ثم يقول بعد هذا النقل: «و مقتضاه منع مناكحة الشافعية»، واختلف فيها هكذا: قيل يجوز، وقيل يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته». وترى أثر هذه النزعة في حكم الحاكم بحل متروك التسمية عمدا، وفي حكم العقد الذي يشترط فيه بعض المذاهب ما لا يشترط البعض الآخر. . وهكذا وصل التعصب المذهبي إلى مثل هذا الحد، وصارت المذاهب بين المسلمين- وبين أبناء الأزهر-أديانا يتقاتل أهلها، ويضلل بعضهم بعضا، وهي لا تخرج عن أنها آراء وأفهام حذر أئمتها الأولون من تقليدها والعمل بها دون الاطمئنان إليها بمعرفة الحجة والبرهان.
6 - تغلبت الفكرة القائلة بتحريم تقليد غير المذاهب الأربعة، فحجروا واسعا، ومنعوا رحمة اختص اللّه بها هذه الأمة، ولقد ظهرت هذه الفكرة على وجه أوضح منذ عهد قريب، يوم وضع الأستاذ الشيخ المراغي، مشروع الزواج والطلاق، فقام ثلاثة من علماء الأزهر بعمل مذكرة تناهض هذا المشروع، وتبني مناهضتها على أنه لا يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة فكتب المراغي مذكرة قيمة، لها خطرها في التوجيه الفقهي والتشريعي، بين فيها كثيرا من مسائل الاجتهاد والتقليد، كما بين آراء العلماء في تأثر الفقه بالعرف والعادة، ويجدر بنا في هذا المقام أن نعلم أن العلماء الذين تناولوا هذه المسألة قديما واستساغوا أن يحكموا بمنع تقليد غير الأربعة لم ينظروا إلى خصوصية في ذات المذاهب الاربعة، وإنما جعلوا مناط التقليد على وجه العموم الثقة بالمذهب الذي يقلد، واطمئنان النفس إلى صحة النقل

الصفحة 17