كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

عليه إذا كان له إليه سبيل، ولا أدري ما يمنع هذا من العقل والسمع، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرع ذمه عليه، وكان صلى اللّه عليه وسلم يحب ما يخف على أمته».
وورث الأزهر فكرة كان لها أثر خطير في انحرافه عن سبيل التفكير الصحيح وتقدير الآراء بقيمتها العلمية: هي خطة المعاداة لطائفة من العلماء نضجت عقولهم وأدركوا أسرار الشريعة، وخالفوا الناس في كثير مما درجوا عليه، وتحرروا من الإغلال التي قيد المقلدون بها أنفسهم، حكم الأزهر عليهم بأحكام جائرة، وشكك في تدينهم وإخلاصهم وآرائهم، وشوهوا في الكتب وعلى ألسنة الدعاة بغير حق، وجعل ذلك سبيلا إلى رفض العمل بآرائهم، وعدم الاعتداد بأفكارهم فصرفت الأنظار عنهم، وصرنا نسمع من أسباب رفض الرأي: هذا رأي ابن تيمية، وابن تيمية ضال مضل، وهذا قول ابن القيم تلميذه، كما يقال: هذا رأي الزمخشري وهو معتزلي، أو ابن رشد وهو فيلسوف. . . وهكذا، كأن هؤلاء ليسوا من أهل العلم، ولا من رجال البحث أو كأن الحق وقف على طائفة من الناس لا يعدوها. .
وأخيرا ورث الأزهر في ذلك العهد: القول بتحريم الاشتغال بالعلوم العقلية والرياضية وأخذ يحارب المشتغلين بها جيلا من الزمن، ولعل من الطريق في ذلك أن نشير إلى الاستفتاء الذي تقدم به بعض الناس إلى الشيخ الانبابي شيخ الجامع الأزهر، وإلى مفتي الديار المصرية الشيخ محمد البنا سنة 1305 ه‍ يسألون فيه: هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية، مثل الهندسة والحساب والهيئة والطبيعيات وغيرها من سائر المعارف؟ وهل يجوز قراءتها كما تقرأ العلوم الآلية من نحو وغيره في الجامع الأزهر؟
هذه هي التركة المثقلة التي خلقتها العصور المظلمة، واحتملها الأزهر في طور مرضه الشديد كعقائد دينية، وواجبات يرى أن يتمسك بها

الصفحة 19