كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

دون أن يسهر على تطبيقها. . . وهذا التطبيق لا يخص سلوك الفرد في نفسه، أو في أماكن عبادته وكفى، لأن قانون الإسلام، الذي هو موضوع التطبيق، لا يعرف هذا الفصل بين الدين وشئون الحياة، بل إن قواعده العملية تمتد إلى جميع ميادين النشاط الاقتصادي والأخلاقي، في حياة الفرد، والأسرة. والأمة، بل في حياة الجماعة الإنسانية كلها.
وقد عنى الأزهر-إلى جانب تكوينه لأسرة التدريس-بتخريج جماعة من المصلحين الاجتماعيين، ليكونوا في صلة دائمة بالشعب، ويتجهوا إليه بإرشاداتهم في كل مناسبة. ولدى الأزهر منهم الآن أكثر من 250 واعظا، موزعون توزيعا متناسبا بين العاصمة وسائر الأقاليم، وإن «العدالة» و «الأمن» لمدينان أعظم الدين لجميل نصائحهم التي يوجهونها إلى الجماهير، وإلى الأسوة الحسنة التي يقدمونها لهم في سيرتهم الشخصية، وإلى طرق الإصلاح التي يمهدونها لهم في المنازعات، كما تشهد بذلك السجلات الرسمية. وفي الوقت نفسه نجد في الأزهر لجنة دائمة من العلماء تتلقى المكاتبات من كل سائل، عما أشكل عليه من أحوال السلوك وشئون المعاملات، وتجيبه بما يزل شبهته، وينير له السبيل السوي.
ومن وراء ذلك كله-و فوق كل هذه الخدمات الجليلة-يتمتع الأزهر بسلطة معنوية أكثر عمقا، وأبعد حدودا، يستعملها في توجيه المجتمع الإسلامي، لا في مصر وحدها، بل في سائر البلاد الإسلامية. وهاهنا أيضا لا تعوزنا الشواهد لإبراز هذه الحقيقة. فلقد أتى على عرش مصر لحظة من الزمن، في سنة 1805 م، كان فيها يبدو مترددا بين «خورشيد» و «محمد علي». فكان الثقل الذي وضعه نفوذ الأزهر هو الذي رجح كفة الميزان في جانب محمد علي، ووضع الباب العالي أمام الأمر الواقع في اختياره واليا على مصر. وفي سنة 1919 كان الأزهر هو المنبر الذي ارتفع منه أقوى صوت في المطالبة بإلغاء الحماية الانجليزية، وكان حرم الأزهر هو المهد الذي ولدت فيه الوحدة التي لا تنفصم عراها بين أقباط مصر

الصفحة 23