لإقرار معنى الإسلام الصحيح في المسلمين أنفسهم، فإن أكثرهم اليوم قد أصبحوا مسلمين بالنسب لا غير. . . وما منهم إلا من هو في حاجة إلى تجديد الإسلام. والحكومات الإسلامية عاجزة في هذا، بل هي من أسباب هذا الشر لأن لها وجودا سياسيا ووجودا مدنيا، أما الأزهر فهو وحده الذي يصلح لإتمام نقص الحكومة في هذا الباب، وهو وحده الذي يسعه ما تعجز عنه، وأسباب نجاحه مهيأة ثابتة إذ كان له بقوة التاريخ حكم الزعامة الإسلامية، وكانت فيه عند المسلمين بقية الوحي على الأرض، ثم كان هو صورة المزاج النفسي الإسلامي المحض، بيد أنه فرط في واجب هذه الزعامة وفقد القوة التي كان يحكم بها وهي قوة المثل لأعلى التي كانت تجعل الرجل من علمائه كما قلنا مرة، إنسانا تتخيره المعاني الإنسانية تظهر فيه بأسلوب عملي فيكون في قومه ضربا من التربية والتعليم بقاعدة منتزعة من مثالها مشروحة بهذا المثال نفسه، والعقيدة في سواد الناس بغير هذا المثل الأعلى هي أول مغلوب في صراع قوة الحياة. . لقد اعتاد المسلمون من قديم أن يجعلوا أبصارهم إلى علماء الأزهر، ولذلك فهم يتبعونهم ويتأنسون بهم ويمنحونهم الطاعة وينزلون على حكمهم ويلتمسون في سيرتهم التفسير لمشكلات النفس ويعرفون بهم معنى صغر الدنيا ومعنى كبر الأعمال العظيمة، وكان غنى العالم الديني شيئا غير المال بل شيئا أعظم من المال إذ كان يجد حقيقة الغنى في إجلال الناس لفقره كأنه ملك لا فقير، وكان زهده قوة حاكمة فيها الصلابة والشدة والهيبة والسمو وفيها كل سلطان الخير والشر لأن فيها كل النزعات الاستقلالية، ويكاد الزهد الصحيح يكون هو وحده القوة التي تجعل علماء الدين حقائق مؤثرة عاملة في حياة الناس أغنيائهم وفقرائهم، لا حقائق متروكة لنفسها يوحش الناس منها أنها متروكة لنفسها، وعلماء الأزهر في الحقيقة هم قوانين نفسية نافذة على الشعب، وعملهم أرد على الناس من قوانين الحكومة، بل هم التصحيح لهذه القوانين إذا جرت الأمور على عللها وأسبابها، فيجب عليهم أن يحققوا