كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

وتوجيهه، وكان الشيخ سعاد من هؤلاء.
وعدا الناحية العلمية، أو لعله بسببها، كان نزوعا إلى الخير ونفع الناس بما لديه، وكانت موهبته الخطابية مما يساعده على بث علمه وإذاعة أفكاره وهي أيضا مما هيأ نمو مدرسته وكثرة تلاميذه، كان وهو لا يزال في هذا التخصص يخطب يوم الجمعة في مسجد الخازنداره بشبرا وذهب وزير الأوقاف يومئذ ليصلي في هذا المسجد، وربما جذبه إليه اسم الشيخ سعاد، فأعجبه حديثه فقرر له علاوة استثنائية تقديرا لكفائته وعلمه، وبعد أن أنهى الشيخ دراسته كان يخطب ثانيا في مسجد المحكمة بمصر الجديدة ثم المسجد قاهر التتار فمسجد عمر مكرم بالقاهرة وكان يتطوع بإلقاء الدروس الدينية فيها، فكان له بها مدرسة ثانية، بعد مدرسته في كلية الشريعة.
وكان من لباقته في دروسه أنه يوازن بين قانون الشريعة والقوانين الوضعية، ويوازن بين مجتمعاتنا والمجتمع الإسلامي في حذق وحسن تصوير، وهو مع هذا يتحاشى الاحتكاك بتيارات السياسة، ولكن كانت تلميحاته أبلغ من تصريحات الآخرين، وكان تلاميذه في كلية الشريعة يحبون درسه ويقدرون تفكيره، وهم الآن في شتى المعاهد والمدارس داخل القطر وخارجه يشعرون بدينهم له.
ثم انضم إلى هاتين المدرستين حديثه «قرآن وسنة»، وبه أضاف إلى تلاميذه تلاميذ لا يعرفهم ولم يروه، ولكنهم أحبوه على البعد، وعرفوه من غير أن يلقوه.
ومات الشيخ سعاد جلال، فشيعت جنازته في غير حشد، ففي ذمة اللّه وذمة التاريخ.

الصفحة 462