كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

وهذه هي نص كلمة الرثاء التي ألقيتها على قبره يوم وفاته.
عقد الخطب اللسان، وعيّ لهول المصاب البيان، وارتاع لهذا الرزء الفادح الجنان، وأي رزء هو!!
لقد انطفأ المصباح الهادي، وخبا النبراس المنير، وذهب بالرجل أجله، ولقد كان يسير به أمله، إلى ضيق القبر، وفسحة الأجر والنعيم.
ذهبنا به في ربيع الحياة إلى أرض حافلة بالعبر والعبرات، آهلة بالعظات والذكريات، فأودعناه في حمى آمن، يستبشر به المتقون، وييأس فيه من رحمة اللّه القانطون، ثم عدنا بالدموع والذكرى، فاجتمعنا في هذا الجمع نحيي ذكرى الفقيد، وبأي شيء نحيي ذكراه؟
لقد كان شاعرا وأديبا وشاعرا، فحرى بنا أن نستمد من ذكراه العظة البالغة، وخليق بنا أن نذكره لعلمه وأدبه إن لم نذكره لحسبه ونسبه.
لقد عاش الفقيد مجاهدا فشقى بعذاب الجهاد في حياته، جاهد أول شبابه في سبيل آماله الواسعة، وأمانيه الكبيرة، ثم جاهد بعد ذلك آلام الحياة التي لاحقته وحالفته وسارت به إلى أجله المحتوم، فما أروعه جهادا وما أعظمه مجاهدا، وما أسعده بأجر الجهاد.
لقد كان الفقيد يستمد علمه وأدبه من عقلية واسعة، وذهن ثاقب، أكثر مما كان يستمده من اطلاع واسع، ودراسة مضينة، وكان ينظم الشعر بملكة صناع، وروح مبدعة، ويعرضه في أسلوب جميل وديباجة مشرقة، ظلت تلازم أدبه. حتى وهنت صحته، ووهى أمله، فدبت إليها روح الضعف، كما دبت في نفسه روح اليأس والقنوط، وعلى حين غفلة سكت الشاعر البليغ، وذهب العالم العبقري إلى عالم الأبدية، ودنيا الخلود.
فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
وهذه قصيدة من غر قصائده نثبتها هنا، قال:

الصفحة 540