كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 3)

وتلطيف الوجدان، وإبان أصول الأخلاق، وقرر التمتع بالطيبات ولم يحرم إلا الخبائث، ووضع حدودا تحد من طغيان النفوس ونزوات الشهوات، ووضع أصول النظم الاجتماعية وأصول القوانين: قواعد كلها لخير البشر وسعادة المجتمع الإنساني. . هذه صورة مصغرة جدا للدين الإسلامي، وشرح قواعده وأسراره، ومتى أدى الأزهر هذه الرسالة على وجهها فقد أدى نصيبا عظيما من السعادة والخير للجمعية الإنسانية. وفي القرآن الكريم حث شديد على العلم، وعلى معرفة اللّه وعلى تدبر ما في الكون، وليس هناك علم يخرج موضوعه عن الخالق والمخلوق. فالدين الإسلامي يحث على تعلم جميع المعارف الحقة. وليس في المعارف الصحيحة المستقرة شيء يمكن أن يناقض أصول الدين ويهدمها، نعم قد توجد معارف تناقض ما وضعه العلماء في شرح القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، ولكنا لا نهتم لهذا. فليسر العلم في طريقه، ولنصحح معارف الماضين، ولكن على شريطة أن يكون ما يخالف معارفنا من العلم البرهاني المستقر، ولم يقصد من هذا أن يكون الأزهر مدرسة طب أو هندسة، أو كلية للكيمياء أو ما يشبه هذا: ولكنه يعني أن هناك علوما ومعارف لها صلة وثيقة بالدين، تعين على فهمه، وتبرهن على صحته، ويدفع بها عنه الشبهات. فهذه العلوم يجب أن يتعلمها العالم الديني أو يتعلم منها القدر الضروري لما يوجه إليه.
وقد تغيرت في العالم طرق عرض السلع التجارية، وأصبح الإعلان عنها ضروريا لنشرها وترغيب الناس فيها. ولديكم الحوانيت القديمة ومخازن التجارة الحديثة، فقارنوا بينها تدركوا ما في طريقة العرض الحديثة من جمال يجذب النفوس إليها، وما في طريقة العرض القديمة من تشويه ينفر النفس منها. وقد توجد في الحوانيت القديمة سلع أحسن صنفا وأكثر قيمة وأمتن مادة، ومع ذلك فهي في كساد، وكما تغيرت طريقة عرض السلع تغيرت طريقة عرض العلم، وأحدث العلماء طرائق تبعث الرغبة الملحة في العلم، وتنفي عنه الملل والسأم، حدثت هذه الطرق في إلقاء

الصفحة 7