كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثالثة

بدعة ضلالة" (1).
وروى عنه مولاه سَفِيْنَةُ أنه قال: "الخلافة ثلاثون سنة، ثمّ تصير ملكًا" (2)، فكان آخر الثلاثين حين سَلَّم سِبْطُ رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحسن بن علي -رضي الله عنهما- الأمرَ إلى معاوية، وكان معاويةُ أوَّلَ الملوك، وفيه ملكٌ ورحمةٌ، كما رُوِيَ في الحديث: "ستكون خلافةُ نبوةٍ، ثم يكون ملكٌ ورحمة، ثمَّ يكون ملكٌ وجبرية، ثمَّ يكون ملك عَضُوض" (3).
وقد ثبت عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من وجوهٍ أنه لمّا قاتَلَ أهلَ الجمل لم يَسْبِ لهم ذُرّيّةً، ولم يَغْنَم لهم مالاً، ولا أَجْهَزَ على جَريح، ولا اتبعَ مدبرًا، ولا قَتلَ أسيرًا، وأنه صلَّى على قتلَى الطائفتين بالجمل وصفين، وقال: "إخوانُنا بَغَوا علينا" (4)، وأخبَر أنهم ليسوا بكفَّار ولا منافقين، واتَّبعَ فيما قالَه كتابَ الله وسنةَ نبيِّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنّ الله سماهم إخوةً، وجعلَهم مؤمنين في الاقتتال والبغي، كما ذكر في قوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (5).
وثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصحاح (6) أنه قال: "تَمرقُ مارقةُ على
__________
(1) أخرجه أحمد (4/ 126، 127) وأبو داود (4607) والترمذي (2676) والدارمي (96) وابن ماجه (43، 44) من حديث العرباض بن سارية.
(2) أخرجه أحمد (5/ 220، 221) وأبو داود (4646، 4647) والترمذى (2226)، وتكلم عليه الألباني وصححه في "الصحيحة" (459).
(3) أخرجه أحمد (4/ 273) والبزَّار في مسنده (1588) بأطول منه عن النعمان بن بشير. وصححه الألباني في "الصحيحة" (5).
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" (15/ 256 - 257) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 182).
(5) سورة الحجرات: 9.
(6) أخرجه مسلم (1065) عن أبي سعيد الخدري.

الصفحة 82