كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثالثة
ولأمّهما وعَمِّهما، لأنهما وُلِدا في عِزِّ الإسلام، وتَربَّيا في حُجور المؤمنين، فأتمَّ الله نعمتَه عليهما بالشهادة، أحدهما مسمومًا والآخر مقتولاً، لأنّ الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالها إلا أهلُ البلاء، كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد سُئِلَ: أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ فقال: "الأنبياء ثمّ الصالحون ثمّ الأمثل فالأمثل، يُبتَلى الرجلُ على حسبِ دينه، فإن كان في دينه صَلابة زِيْدَ في بلائه، وإن كان في دينه رِقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاءُ بالمؤمنِ حتى يَمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ" (1).
وشَقِيَ بقتلِه من أعانَ عليه أو رضي به. فالذي شرعَه الله للمؤمنين عند الإصابة بالمصائب وإن عظُمتْ أن يقولوا: إنّا لله وإنا إليه راجعون. وقد روى الشافعي في مسنده (2) أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ماتَ وأصاب أهلَ بيته من المصيبة ما أصابَهم، سمعوا قائلاً يقول: يا آلَ بيتِ رسول الله! إنّ في الله عَزَاءً من كلّ مصيبةٍ، وخَلَفًا من كل هالك، ودَركًا من كل فائت، فبالله فثِقُوا وإيَّاه فارْجُوا، فإن المُصَابَ من حُرِمَ الثوابَ. فكانوا يرونه الخضر جاء يُعزِّيهم بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
__________
(1) أخرجه أحمد (1/ 172، 173، 180، 185) والدارمي (2786) والترمذي (2398) وابن ماجه (4023) عن سعد بن أبي وقاص.
(2) 1/ 216 (من ترتيبه لمحمد عابد السندي) عن علي بن الحسين مرسلاً، ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 268). وأورده ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/ 258) من هذا الطريق ثم قال: "شيخ الشافعي القاسم العمري متروك، قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: يكذب، زاد أحمد: ويضع الحديث. ثم هو مرسل، ومثلُه لا يُعتمد عليه هاهنا، والله أعلم. وقد رُوِي من وجهٍ آخر ضعيف عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه عن علي، ولا يصحّ". وهذا أخرجه البيهقي في "الدلائل" (7/ 267)، وانظر الكلام عليه في "فتح الباري" (6/ 435) و"الإصابة" (1/ 442).