كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثالثة
غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)) (1). وقد فسَّر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) بأنها النياحة (2)، وتَبرَّأَ النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحالقة والصالقة (3). والحالقة: التي تَحلِق شَعرَها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتَها عند المصيبة. وقال جرير بن عبد الله (4): كنا نعدُّ الاجتماعَ إلى أهل الميت وصَنْعَتهم الطعامَ للناس من النياحة. وإنما السنةُ أن يُصنَع لأهل الميت طعامٌ، لأنّ مصيبتَهم تَشْغَلُهم، كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما نُعِيَ جعفر بن أبي طالب لما استشهد بمؤتةَ فقال: "اصنَعوا لآلِ جعفرٍ طعامًا، فقد جاءهم ما يَشْغَلُهم" (5).
وهكذا ما يفعل قوم آخرون يوم عاشوراءَ من الاكتحال والاختضاب أو المصافحة والاغتسال، فهو بدعة أيضًا لا أصلَ لها، ولم يذكرها أحد من الأئمة المشهورين، وإنما رُوِي فيها حديث "من اغتسلَ يومَ عاشوراءَ لم يَمرض تلك السنةَ، ومن اكتحلَ يومَ عاشوراء لم يَرمَدْ ذلك العام" (6) ونحو ذلك، ولكن الذي ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه صامَ
__________
(1) سورة الممتحنة: 12.
(2) أخرجه أحمد (5/ 85، 6/ 408) وأبو داود (1139) وابن خزيمة في صحيحه (1722، 1723) عن أمّ عطية. وانظر "الدر المنثور" (8/ 139 وما بعدها).
(3) أخرجه البخاري (1296) ومسلم (104) عن أبي موسى الأشعري.
(4) أخرجه أحمد (2/ 204) وابن ماجه (1612) عنه، وصححه البوصيري في "الزوائد".
(5) أخرجه أحمد (1/ 205) وأبو داود (3132) والترمذي (998) وابن ماجه (1610) عن عبد الله بن جعفر. وحسَّنه الترمذي، وصححه الحاكم في "المستدرك" (1/ 372).
(6) أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 201) عن أبي هريرة ضمن حديث طويل، ثم قال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه. وقال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 110): موضوع، ورجاله ثقات، والظاهر أن بعض=