كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 3)

يقترعون عليه؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول، فقال أحدهم: أنا أحقُّ به منك، وقال الآخر: أنا أحقُّ، قال: إذاً نقترعُ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي. ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم: أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني، ثم إذا أُقيمت الصلاة، وقيل لهم: أتمُّوا الصفَّ الأول، جعلوا يتلفَّتون مندهشين، وكل ذلك في الحقيقة سببه:

أولاً: الجهل العظيم.
وثانياً: أن بعضَ الأئمة لا يبالون بهذا الشيء، أي: بتسوية المأمومين، وتراصِّهم وتكميلِ الأول فالأول، والأمرُ بالتسوية سُنَّة عند الحاجة إليها، أي: مع عدم استواء الصَّفِّ، وليست سُنَّةً مطلقةً، لكن ينبغي أن تكون سُنَّة مؤثِّرة، بحيث إذا وَجَد الإِمامُ واحداً متقدِّماً قال له: تأخَّر يا فلان، ولقد سبق قول الرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حينما رأى رَجُلاً بادياً صدره (¬1)، وكان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُسوِّي الصفوفَ بيده، ويمسحُ المناكبَ (¬2) والصُّدورَ مِن طَرَف الصفِّ إلى طَرَفه (¬3)، والواجب على الإِمامِ أن يصبرَ ويعوِّدَ النَّاسَ على تسويةِ الصَّفِّ، حتى يسوُّوا الصفوفَ، ولا يمكن لإنسان مؤمن يبلُغُه أنَّ الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال:
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه ص (9).
(¬2) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها (432) (122).
(¬3) أخرجه الإمام أحمد (4/ 285، 297)؛ وأبو داود، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف (664)؛ والنسائي، كتاب الإمامة، باب كيف يقوِّم الإمام الصفوف (811).

الصفحة 13