كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 3)

قوله: «وتعالى جدُّك» «تعالى» أي: ارتفعَ ارتفاعاً معنوياً، والجَدُّ: بمعنى العظمة، يعني: أنَّ عظمتَك عظمة عظيمة عالية؛ لا يساميها أي عظمة مِن عظمة البشر، بل مِن عظمة المخلوقين كلهم.

قوله: «ولا إله غيرك» هذه هي كلمةُ التوحيدِ التي أُرسل بها جميعُ الرُّسل كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *} [الأنبياء] وكما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ومَن كان آخرُ كلامِه مِن الدُّنيا لا إله إلا الله دَخَلَ الجنَّةَ» (¬1) فهي أفضلُ الذِّكرِ، ومعناها: لا معبودَ حقٌّ إلا الله. فـ «إله»: بمعنى مألوه، وهو اسمٌ، «لا»: النافية للجنس، وخبرها محذوف تقديره: حقّ، «إلا الله»: «إلا» أداة استثناء، و «الله» بدل مِن الخبر المحذوف، هذا أصحُّ ما قيل في معناها وفي إعرابها.
إذاً معناها: لا معبودَ حقٌّ إلا الله، فهل هناك معبودٌ باطلٌ؟

الجواب: نعم، هناك معبودٌ باطلٌ وهو مَنْ سِوى الله؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62]. وهذه الآلهة وإن سُمِّيت آلهة فما هي إلا أسماء لا حقيقة لها، فهي باطلة كما قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23]. وهذه الكلمة لها مقتضى، فمقتضاها التسليم التام لله عزَّ وجلَّ؛ لأن العبادة مأخوذة من الذُّلِّ، ومنه: طريق معبَّد، أي: مذلَّل
¬__________
(¬1) أخرجه الإمام أحمد (5/ 233، 247)؛ وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في التلقين (3116)؛ والحاكم (1/ 351) وصحَّحه ووافقه الذهبي.

الصفحة 46