كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 3)
بشفاعتِي يومَ القيامةِ: مَنْ قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه» (¬1). أنه لما رأى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يسكتُ بين التكبيرِ والقراءة، عَلِمَ أنه لا بُدَّ أن يقول شيئاً، لأنَّ الصلاة ليس فيها سكوتٌ مطلقٌ فقال: «أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءةِ؛ ما تقولُ؟» وكلمة «ما تقول» تدلُّ على أنه يعتقد أنه يقول شيئاً؛ لأنه لم يقل: هل أنت ساكتٌ؟ قال: أقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطَايَاي كما باعدت بين المشرق والمغرب» ومعناه: أنه سأل الله أن يُباعد بينه وبين خطاياه؛ كما باعَدَ بين المشرقِ والمغربِ، والمباعدة بين المشرق والمغرب هو غاية ما يبالغ فيه النَّاسُ، فالنَّاسُ يبالغون في الشيئين المتباعدين إمَّا بما بين السماء والأرض، وإما بما بين المشرقِ والمغربِ، ومعنى «باعِدْ بيني وبين خَطَاياي» أي: باعِدْ بيني وبين فِعلِها بحيث لا أَفْعَلُها، وباعِدْ بيني وبين عقوبِتها.
وقوله: «اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس»، هذه الجملةُ تدلُّ على أنَّ المرادَ بذلك الخطايا التي وقعت منه، لأنه قال: «نقِّني منها كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس». أي: كما يُغسل الثوبُ الأبيضُ إذا أصابه الدَّنس فيرجع أبيض، وإنما ذَكَرَ الأبيضَ؛ لأن الأبيض هو أشدُّ ما يؤثِّر فيه الوسخ؛ بخلاف الأسود، ولهذا في أيام الشتاء الثياب السوداء تبقى شهراً أو أكثر، لكن الأبيض لا يبقى أسبوعاً إلا وقد تدنَّسَ، فلهذا قال: «كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ» وهذا ظاهرٌ أنه في الذُّنوب التي فَعَلَهَا يُنقَّى منها، وبعد التنقية
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار (6570).
الصفحة 49
414