كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 3)

سِرًّا وَلَيْسَتْ مِنَ الفَاتِحَةِ ...........
قوله: «سِرًّا»، أي: يُبسمِلُ سِرًّا، يعني: إذا كانت الصَّلاةُ جهريَّة.
أما إذا كانت الصلاة سِرِّية فإنه سوف يُسرُّ بالبسملة وبالقراءة، فقوله: «سِرًّا» يعني: أنه لا يسمعها المأمومين، وإن كان يجهر بالقراءة؛ وذلك لأن أكثر الأحاديث الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم تدلُّ على أنه كان يقرؤها سِرًّا (¬1). بل قد قيل: إنَّ كُلَّ حديث ذُكر فيه الجهرُ بالبسملة فهو ضعيف (¬2).

قوله: «وليست من الفاتحة» الضَّميرُ يعودُ على البسملة، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة، فإنه ليس فيها بسملة اجتهاداً من الصحابة، لكنه اجتهاد ـ بلا شك ـ مستندٌ إلى توقيف؛ لأننا نعلم أنه لو نزلت البسملة بين الأنفال وبراءة لوجب بقاؤها؛ لأن الله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر: 9] فلمَّا لم يكن، عُلِمَ أن اجتهاد الصَّحابة كان موافقاً للواقع.

والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، قال اللَّهُ تعالى: حَمَدَني عبدي ... » (¬3) الحديث.
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير (743)؛ ومسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (399) (50).
(¬2) انظر: «المغني» لابن قدامة (2/ 149)، و «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (22/ 275).
(¬3) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (395) (38).

الصفحة 57