كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 3)

{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (¬1) قال: أراد قد حصرت، وهذا لا يجيزه سيبويه، وحمل الآية (¬2) على غير هذا، فقال: {حَصِرَتْ} صفة لمحذوف، تقديره: قوما حصرت صدورهم، فقوما نصب على الحال، وحصرت صفتهم، وحذف الموصوف وأبقيت صفته.
وكان أبو العباس المبرّد يقول فى قوله: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}. قولا ثالثا، وهو أنه خرج مخرج الدعاء عليهم (¬3)، كما قال تعالى: {قاتَلَهُمُ اللهُ} (¬4) فالمعنى:
ضاقت صدورهم عن/قتالكم. والذى قاله جائز، لولا ما جاء بعده من قوله:
{أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ} ونحن لا ندعو بأن تضيق صدورهم عن قتال قومهم، بل نقول: اللهمّ ألق بأسهم بينهم، فلمّا عطف على الأول ما لا يصحّ أن يقع موقع الأوّل لم يصحّ الذى تأوّله (¬5).
وقد جاء الفعل الماضى فى موضع الحال مقدّرة معه «قد» فى قوله تعالى:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ} (¬6) المراد: وقد كنتم، ومثله {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاِتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (¬7) أراد: وقد اتّبعك.
فإن كان الفعل مستقبلا لم يقع حالا، لا تقول: جاء زيد سيضحك، أو جاء زيد يضحك غدا؛ لأنّ الحال إنما تكون لما أنت فيه.
فإن قيل: فقد جاء فى كتاب سيبويه: «مررت برجل معه صقر صائدا به
¬_________
(¬1) سورة النساء 90.
(¬2) لا ذكر لهذه الآية الكريمة فى كتاب سيبويه المطبوع.
(¬3) المقتضب 4/ 124، ولم يتل المبرّد هذه الآية التى تلاها ابن الشجرى، وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 328،329.
(¬4) سورة التوبة 30، والمنافقون 4.
(¬5) بهامش الأصل: «هذا قول أبى علىّ يردّ به على المبرّد، رحمهما الله»، وانظر الإيضاح ص 277، وكتاب الشعر ص 56، وما سبق فى المجلس الرابع والأربعين.
(¬6) سورة البقرة 28.
(¬7) سورة الشعراء 111.

الصفحة 13