كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 3)

سفرن بدورا وانتقبن أهلّة … ومسن غصونا والتفتن جآذرا
واحد الجآذر: جؤذر، ولد البقرة الوحشيّة، ومن هذا الضّرب قولهم:
«هذا بسرا أطيب منه رطبا (¬1)» التقدير: هذا إذا وجد صلبا أطيب منه إذا وجد ليّنا، فهذا يقال فيه إذا كان بلحا.
وممّا جاءت فيه الحال بمعنى المشتقّ قوله تعالى: {فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (¬2) انتصاب {فِئَتَيْنِ} على الحال؛ لأن المعنى: ما لكم منقسمين فى شأنهم فرقتين، فرقة/تمدحهم، وفرقة تذمّهم.
وحقيقة المعنى عندى (¬3) أن «فئتين» فى معنى مختلفين، فحرف الجرّ الذى هو «فى» متعلّق بهذا المعنى، أى ما لكم مختلفين فى أمرهم، فانتصابه كانتصاب {مُعْرِضِينَ} فى قوله: {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} (¬4).
واختلف فى هؤلاء المنافقين (¬5)، فقيل: هم قوم تخلّفوا يوم أحد، و {قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ} (¬6) وقيل: هم قوم قدموا المدينة وأظهروا الإسلام، ورجعوا إلى مكة فأظهروا الكفر، وقيل: هم قوم أسلموا بمكة، وكانوا يعينون المشركين، والدليل على أنهم من أهل مكة قوله: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} (¬7).
¬_________
(¬1) تقدّم فى المجلس الخامس والعشرين. ويأتى مرّة أخرى فى هذا المجلس، والمجلس السادس والسبعين. وقد تكلّم عليه ابن قيم الجوزية كلاما طويلا، فى بدائع الفوائد 2/ 119 - 130. وقد أفرد السيوطىّ لهذه المسألة رسالة صغيرة سمّاها: (تحفة النّجبا فى قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا) تراها بآخر كتابه الأشباه والنظائر 4/ 652 - 662، وقد سلخها من كلام ابن قيم الجوزية. وهذا عوّل على ما ذكره السّهيلى فى نتائج الفكر ص 399 - 405، وانظر المقتضب 3/ 251، وحواشيه-
(¬2) سورة النساء 88.
(¬3) سبق إلى هذا أبو زكريا الفراء. معانى القرآن 1/ 280. وراجع إعراب القرآن للنحاس 1/ 442.
(¬4) سورة المدثر 49.
(¬5) أسباب النزول ص 160، والدر المنثور 2/ 190.
(¬6) سورة آل عمران 167.
(¬7) سورة النساء 89.

الصفحة 7