كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 3)

وقوله: «أن لا يسرحوا نعما» معناه: أن لا يرعوا إبلا. وصف سنة ذات جدب، فرعي النّعم وترك رعيها سواء.
وإنما قال: «سيّان» فرفعه وهو نكرة، وقوله: «أن لا يسرحوا» معرفة (¬1)؛ لأنه أضمر فى «كان» ضمير الشأن.
والرابع: أن تكون «أو» للإبهام، كقول القائل لمن يعلم سامعو لفظه أنه مبطل: أحدنا مبطل أو محق. وقال أبو إسحاق الزّجّاج فى قول الله تعالى: {وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (¬2) روي فى التفسير: وإنّا لعلى هدى وإنّكم لفى ضلال/مبين. قال: وهذا فى اللّغة غير جائز، ولكنه يؤول تفسيره إلى هذا المعنى، والمعنى: إنّا لعلى هدى أو فى ضلال مبين، وإنكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين، وهذا كما يقول القائل، إذا كانت الحال تدلّ على أنه صادق: أحدنا صادق أو كاذب، ويؤول معنى الآية: وإنّا (¬3) لما أقمنا من البرهان لعلى هدى وإنكم لفى ضلال مبين.
وقال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (¬4): قوله: {وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً} قال المفسّرون: معناه: وإنّا لعلى هدى وأنتم فى ضلال مبين (¬5)، قال: وكذلك هو فى المعنى، غير أنّ العربيّة على غير ذلك، والمعنى: وإنّا لضالّون أو مهتدون، وإنّكم أيضا لضالّون أو مهتدون، والله يعلم أنّ رسوله المهتدى، وأنّ غيره الضّالّ، وأنت
¬_________
(¬1) اعلم أن النحويين يعدّون المصدر المؤول من «أن وأنّ» معرفة، لأنه يشبه الضمير، من حيث إنه لا يوصف كما أن الضمير كذلك. ولهذا قرأ السبعة: ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا -الجاثية 25. فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا النمل 56، وغيرها. بنصب حُجَّتَهُمْ وجَوابَ على الخبر. واعتبار المصدر المؤول هو اسم كان. قال ابن هشام: «والرفع ضعيف كضعف الإخبار بالضمير عمّا دونه فى التعريف». المغنى ص 453 (الباب الرابع. ما يعرف به الاسم من الخبر). وانظر ما يأتى فى ص 152.
(¬2) سورة سبأ 24، وانظر معانى القرآن للزجاج 4/ 253.
(¬3) فى الأصل، ط «أو إنا»، وأثبت ما فى د. والذى فى معانى الزجاج: إنا.
(¬4) معانى القرآن 2/ 362.
(¬5) بعد هذا فى المعانى: «معنى «أو» معنى الواو عندهم».

الصفحة 72