كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 3)
دفعة نَزَّلَ عَلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ القرآن بِالْحَقِّ: بالعدل، والصدق، مُصَدِّقاً: موافقا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لما قبله من الكتب في التوحيد، والنبوّات، والأخبار، وبعض الشرائع.
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ قال البصريون: أصلها ووريه دوجله وحرقله فحوّلت الواو الاولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة، وقال الكوفيون: هي تفعله والعلة فيه ما ذكرنا مثل (توصية) ، و (توفية) فقلبت الياء ألفا كما يفعل طيئ، فيقول للجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة، وأصلها من قولهم: «وري الزند» إذا أخرجت ناره وأولته أنا، قال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ «1» ، وقال: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً «2» فتسمى تورية لأنه نور وضياء دلّ عليه قوله تعالى: وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ «3» قاله الفراء، وأكثر العلماء، وقال [المؤرج:] هي من التورية وهي كتمان الشيء والتعريض لغيره.
ومن الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا أراد شيئا وري بغيره» [5] .
وكان أكثر التورية معارض وتلويحا من غير إيضاح وتصريح، وقيل: هي بالعبرانية «نوروثو» ومعناه: الشريعة.
والإنجيل أفضل من [النجل] وهو الخروج، ومنه سمّي الولد «نجلا» لخروجه.
قال الأعشى:
أنجب أزمان والداه به ... إذ نجّلاه فنعم ما نجلا «4»
فسمي بذلك لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا.
ويقال: هو من المتنجل، وهو سعة الجن، يقال: قطعته نجلا أي: واسعة فسمي بذلك لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم نورا وضياء، وقيل: هو بالسريانية «انقليون» ومعناه:
الشريعة:
وقرأ الحسن الْأَنْجِيلَ بفتح الهمزة، يصححه الباقون بالكسر مثل: الإكليل.
مِنْ قَبْلُ رفع على الغاية والغاية هاهنا قطع الكتاب عنه كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وقال زهير:
وما كان من خير أتوه ... فإنّما توارثه آباء آبائهم قبل «5»
__________
(1) سورة الواقعة: 71.
(2) سورة العاديات: 2.
(3) سورة الأنبياء: 48.
(4) الصحاح: 1/ 222.
(5) تفسير القرطبي: 3/ 173.
الصفحة 8
424