كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 3)

وَأَمَّا الثَّانِي: فَمَبْنَاهُ تَفَاوُتُ دَلَالَاتِ الْعِبَارَاتِ فِي أَنْفُسِهَا، فَيُرَجَّحُ الْأَدَلُّ مِنْهَا فَالْأَدَلُّ، فَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلِلظَّاهِرِ مَرَاتِبُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ، أَوْ قَرِينَتِهِ، فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى مِنْهَا فَالْأَقْوَى بِحَسَبِ قُوَّةِ دِلَالَتِهِ وَضَعْفِهَا، وَالْمُخْتَلِفُ لَفْظًا فَقَطْ عَلَى مُتَّحَدِهِ، لِدِلَالَةِ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ عَلَى اشْتِهَارِهِ ; وَقَدْ يُعَارَضُ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ ضَرْبٌ مِنَ الِاضْطِرَابِ، وَالِاتِّحَادَ أَدَلُّ عَلَى الْإِتْقَانِ وَالْوَرَعِ، وَذُو الزِّيَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ، لِإِمْكَانِهِمَا بِذُهُولِ رَاوِي النَّاقِصِ ; أَوْ نِسْيَانِهِ، كَمَا سَبَقَ. وَالْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي إِلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ النَّفْيُ إِلَى عِلْمٍ بِالْعَدَمِ، لَا عَدَمَ الْعِلْمِ فَيَسْتَوِيَانِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى حَظْرٍ، أَوْ وَعِيدٍ، عَلَى غَيْرِهِ اِحْتِيَاطًا عِنْدَ الْقَاضِي.
وَالنَّاقِلُ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِيهِمَا خِلَافٌ، وَلَا يُرَجَّحُ مَسْقِطُ الْحَدِّ وَمُوجِبُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى غَيْرِهِمَا، إِذْ لَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ فِي صِدْقِ الرَّاوِي، وَقِيلَ: بَلَى ; لِمُوَافَقَتِهِمَا الْأَصْلَ ; وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِهِ، إِذِ الْفِعْلُ لَا صِيغَةَ لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: " وَأَمَّا الثَّانِي " - يَعْنِي التَّرْجِيحُ اللَّفْظِيُّ مِنْ جِهَةِ الْمَتْنِ - " فَمَبْنَاهُ "، أَيْ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى " تَفَاوُتِ دَلَالَاتِ الْعِبَارَاتِ فِي أَنْفُسِهَا، فَيُرَجَّحُ الْأَدَلُّ مِنْهَا فَالْأَدَلُّ "، أَيْ: إِنَّ الْعِبَارَاتِ تَتَفَاوَتُ فِي الدِّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْبَيَانِ وَالْإِجْمَالِ، وَالْإِيضَاحِ وَالْإِشْكَالِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا أَقْوَى دِلَالَةً، قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ. وَهَذِهِ قَاعِدَةُ هَذَا الْقِسْمِ، " فَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ "، لِأَنَّ النَّصَّ أَدَلُّ، لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ غَيْرَ الْمُرَادِ، وَالظَّاهِرَ مُحْتَمِلٌ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا، لَكِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِدَلِيلٍ، كَمَا سَبَقَ فِي تَأْوِيلِ الظَّوَاهِرِ.
قَوْلُهُ: " وَلِلظَّاهِرِ مَرَاتِبُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ أَوْ قَرِينَتِهِ "، أَيْ: قَدْ يَكُونُ لَفْظٌ

الصفحة 698