كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَعْنِي أَنَّ نَفْيَ النَّافِي إِنِ اسْتَنَدَ إِلَى عَدَمِ الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالْبَيْتِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِثْبَاتُ الْمُثْبِتِ لِلصَّلَاةِ، وَقَتْلُ فُلَانٍ مُقَدَّمًا لِمَا سَبَقَ. وَإِنِ اسْتَنَدَ نَفْيُ النَّافِي إِلَى عِلْمٍ بِالْعَدَمِ، كَقَوْلِ الرَّاوِي: اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ بِالْبَيْتِ، لِأَنِّي كُنْتُ مَعَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ نَظَرِي طَرْفَةَ عَيْنٍ فِيهِ، وَلَمْ أَرَهُ صَلَّى فِيهِ، أَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ، أَوْ قَالَ: اعْلَمْ أَنْ فُلَانًا لَمْ يَقْتُلْ زَيْدًا، لِأَنِّي رَأَيْتُ زَيْدًا حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي أَخْبَرَ الْجَارِحُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فِيهِ. فَهَذَا يُقْبَلُ، لِاسْتِنَادِهِ إِلَى مُدْرَكٍ عِلْمِيٍّ، وَيَسْتَوِي هُوَ وَإِثْبَاتُ الْمُثْبِتِ، فَيَتَعَارَضَانِ، وَيُطْلَبُ الْمُرَجِّحُ مِنْ خَارِجٍ. وَقَدْ سَبَقَ لَنَا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِثْلُ هَذَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ نَافِيَةٍ اسْتَنَدَتْ إِلَى عِلْمٍ بِالنَّفْيِ، لَا إِلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهَا تُعَارِضُ الْمُثْبِتَةَ، لِأَنَّهَا تُسَاوِيهَا، إِذْ هُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مُثْبِتَتَانِ، لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا تُثْبِتُ الْمَشْهُودَ بِهِ، وَالْأُخْرَى تُثْبِتُ الْعِلْمَ بِعَدَمِهِ.
قَوْلُهُ: " وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى حَظْرٍ، أَوْ وَعِيدٍ عَلَى غَيْرِهِ احْتِياطًا عِنْدَ الْقَاضِي ".
أَيْ: وَيُرَجَّحُ مَا تَضَمَّنَ تَحْرِيمًا، أَوْ وَعِيدًا عَلَى مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. وَقِيلَ: لَا يُرَجَّحُ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: الْوَعِيدُ وَالْحَظْرُ مُتَلَازِمَانِ، إِذْ كُلُّ مَحْظُورٍ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مُتَوَعَّدٍ عَلَيْهِ مَحْظُورٌ، لِأَنَّ الْوَعِيدَ مِنْ آثَارِ الْحَظْرِ، وَالْحَظْرَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَعِيدِ، فَحَصَلَ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا لِذَلِكَ.
وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي هَذَا أَنَّ وَعْدَ الشَّرْعِ وَوَعِيدَهُ مُتَكَافِئَانِ فِي الْغَالِبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْأَنْعَامِ: 165] ،

الصفحة 701