كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 3)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: " إِنَّ نَاسًا مِنْ شِيعَةِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَابَّةُ الْأَرْضِ , وَأَنَّهُ §سَيُبْعَثُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ , فَقَالَ: «كَذَبُوا , لَيْسَ أُولَئِكَ شِيعَتَهُ، أُولَئِكَ أَعْدَاؤُهُ، لَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ مَا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ، وَلَا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ» قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هَكَذَا قَالَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَصَمِّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ فِي دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ نَاسًا §يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَضَحِكَ وَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، لَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، وَلَا سَاهَمْنَا مِيرَاثَهُ» قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ فِي السِّجْنِ , فَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ وَدُفِنَ , بَعَثَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ لِيَقْتُلَهُ , فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَجَاؤُوهُ بِالنِّفْطِ وَالْبَوَارِي وَالنَّارِ، فَقَالُوا: نُحَرِّقُهُ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: دَعُونَا حَتَّى نَشْفِيَ أَنْفُسَنَا مِنْهُ , فَقَطَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ , فَلَمْ يَجْزَعْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ , فَكَحَلَ عَيْنَيْهِ بِمِسْمَارٍ مُحْمًى , فَلَمْ يَجْزَعْ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَكْحُلُ عَيْنَيْ عَمِّكَ بِمُلْمُولٍ مَضٍّ , وَجَعَلَ يَقُولُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَّقٍ} [سورة: العلق، آية رقم: 2] حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ السُّورَةِ كُلِّهَا وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلَانِ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَعُولِجَ عَنْ لِسَانِهِ لِيَقْطَعَهُ فَجَزِعَ، فَقِيلَ لَهُ: قَطَعْنَا يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَسَمَلْنَا عَيْنَيْكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَلَمْ تَجْزَعْ -[40]-، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى لِسَانِكَ جَزَعْتَ فَقَالَ: مَا ذَاكَ مِنِّي مِنْ جَزْعٍ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ فِي الدُّنْيَا فُوَاقًا لَا أَذْكُرُ اللَّهَ، فَقَطَعُوا لِسَانَهُ ثُمَّ جَعَلُوهُ فِي قَوْصَرَةٍ وَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ. وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ فَلَمْ يُسْتَأَنُ بِهِ بُلُوغُهُ , وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا أَسْمَرَ، حَسَنَ الْوَجْهِ، أَفْلَجَ شَعْرِهِ مَعَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، فِي جَبْهَتِهِ أَثَرُ السُّجُودِ , قَالُوا: وَذَهَبَ بِقَتْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْحِجَازِ سُفْيَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
[البحر الطويل]
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّتْ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ
الصفحة 39