كتاب تفسير الماوردي = النكت والعيون (اسم الجزء: 3)

قوله عز وجل: {يا صاحبي السجين أما أحدكما فيسقي ربه خمراً} وهو الذي قال: إني أراني أعصر خمراً , بشره بالنجاة وعوده إلى سقي سيده خمراً لأنه كان ساقيه. {وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه} وهو الذي قال {إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه} فأنذره بالهلكة وكان خباز الملك , قال ابن جرير: وكان اسمه مجلثاً , واسم الساقي نبواً. فلما سمع الهالك منهما تأويل رؤياه قال: إنما كنا نلعب. قال {قُضِيَ الأمر الذي فيه تستفتيان} فيه وجهان: أحدهما: قضي السؤال والجواب. الثاني: سيقضى تأويله ويقع. فإن قيل: فكيف قطع بتأويل الرؤيا وهو عنده ظن من طريق الاجتهاد الذي لا يقطع فيه؟ ففيه وجهان: أحدهما: يجوز أن يكون قاله عن وحي من الله تعالى. الثاني: لأنه نبي يقطع بتحقيق ما أنطقه الله تعالى وأجراه على لسانه , بخلاف من ليس بنبي.
{وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} قوله عز وجل: {وقال للذي ظن أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك} فيه قولان: أحدهما: يعني للذي علم أنه ناج , فعبر عن العلم بالظن , قاله ابن شجرة. الثاني: أنه ظن ذلك من غير يقين. وفي ظنه وجهان: أحدهما: لأن عبارة الرؤيا بالظن فلذلك لم يقطع به , قاله قتادة. الثاني: أنه لم يتيقن صدقهما في الرؤيا فكان الظن في الجواب لشكه في صدقهما.

الصفحة 39