كتاب تفسير الماوردي = النكت والعيون (اسم الجزء: 3)

خضراء , واليابسات هي الجدب لأنّ الأرض فيه يابسة , كما أن ماشية الخصب سمان , وماشية الجدب عجاف. {لعلي أرجع إلى الناس} أي لكي أرجع إلى الناس وهو الملك وقومه , ويحتمل أن يريد الملك وحده فعبر عنه بالناس تعظيماً له. {ولعلهم يعلمون} لأنه طمع أن يعلموا وأشفق أن لا يعلموا , فلذلك قال {لعلهم يعلمون} يعني تأويلها. ولم يكن ذلك منه شكاً في علم يوسف. لأنه قد وقر في نفسه علمه وصدقه , ولكن تخوف أحد أمرين إما أن تكون الرؤيا كاذبةً , وإما ألاّ يصدقوا تأويلها لكراهتهم له فيتأخر الأمر إلى وقت العيان. قوله عز وجل: {قال تزرعون سبع سنين دأباً} فيه وجهان: أحدهما: يعني تباعاً متوالية. الثاني: يعني العادة المألوفة في الزراعة. {فما حصدتم فذروه في سُنْبُلهِ إلا قليلاً مما تأكلون} يعني فيخرج من سنبله لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل , وهذا القول منه أمر , والأول خبر , ويجوز لكونه نبياً أن يأمر بالمصالح , ويجوز أن يكون القول الأول أيضاً أمراً وإن كان الأظهر منه أنه خبر. قوله عز وجل: {ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شداد} يعني المجدبات لشدتها على أهلها. وحكى زيد بن أسلم عن أبيه أن يوسف كان يصنع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفه , حتى إذا كان يوماً قربه له فأكله كله , فقال يوسف: هذا أول يوم السبع الشداد. {يأكلن ما قدمتم لهن} يعني تأكلون فيهن ما ادخرتموه لهن. {إلا قليلاً مما تحصنون} فيه وجهان: أحدهما: مما تدخرون , قاله قتادة. الثاني: مما تخزنون في الحصون. ويحتمل وجهاً ثالثاً: إلا قليلاً مما تبذرون لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات.

الصفحة 44